|

السعودية.. ريادة تُرسّخ النزاهة وتُعيد تشكيل قواعد الحوكمة العالمية

الكاتب : الحدث 2025-11-01 08:26:39

بقلم د. محمد الأنصاري 
أستاذ القانون الدولي 
———————————————————


في عالمٍ يتغيّر بسرعة وتتنازع فيه الدول على مواقع التأثير وصناعة القرار، تبرز المملكة العربية السعودية بوصفها نموذجًا للدولة التي لا تبحث عن الريادة كشعارٍ يُردَّد، بل كمنجزٍ يُبنى على التخطيط والعمل والرؤية بعيدة المدى. فاليوم تُسجِّل المملكة إنجازًا جديدًا بتوليها رئاسة المنظمة الدولية للأجهزة العليا للرقابة المالية والمحاسبة «الإنتوساي»، في محطة أخرى تؤكد حضورها العالمي ومكانتها في ميدان الحوكمة والمساءلة.

لم يكن هذا التتويج مصادفة، ولا مجرد خبر عابر، بل هو اعتراف دولي نابع من ثقةٍ راسخة بأن الإصلاح حين يتكئ على إرادة سياسية صادقة، وينطلق من نهجٍ واضح يُعلي قيمة النزاهة، فإن ثماره تمتد لتلامس حدود العالم. لقد أدركت السعودية أن مكافحة الفساد ليست مهمة إدارية، بل مسار وطني شامل يضمن حقوق المواطن، ويرسّخ قوة الدولة، ويمنح الاقتصاد قدرةً أكبر على النمو والتنافسية.

وفي وقتٍ لا تزال فيه كثير من الشعوب تعاني من آثار الفساد وضعف الشفافية، بنت المملكة تجربتها بصمتٍ وصرامة، حتى أصبحت مثالًا يُستشهد به، ونموذجًا يترقبه كل من يطمح إلى إصلاح حقيقي. فالإصلاح السعودي لم يكن رد فعلٍ أو مرحلة مؤقتة، بل رؤية متكاملة رسخت قواعد الحوكمة وربطت بين المسؤولية والمساءلة، لتؤسس بيئة ثقة بين القيادة والمجتمع والعالم.

رئاسة المملكة للإنتوساي، التي تمتد من عام 2031 حتى 2034، تُعد إعلانًا عالميًا بأن المملكة اليوم شريك أساسي في رسم سياسات الرقابة والشفافية على المستوى الدولي، ومساهمًا محوريًا في تعزيز المعايير المهنية للحوكمة المالية. كما أنها تأكيد دولي من أكثر من 195 دولة اجتمعت على الإقرار بدور المملكة القيادي واختيارها لقيادة هذه المؤسسة الدولية المهمة، في انعكاسٍ واضح للثقة العالمية في قدرتها على تعزيز النزاهة وترسيخ مبادئ الحوكمة الرشيدة.

وانطلاقًا من رؤية 2030، لم يعد الإصلاح في المملكة خيارًا محليًا فحسب، بل مشروعًا عالميًا يسهم في صياغة معايير الحوكمة الحديثة، وتبادل الخبرات مع دول العالم، وتعزيز مسارات الشفافية والنزاهة كركائز للتنمية المستدامة.

إن استضافة المملكة لقيادات الأجهزة الرقابية حول العالم، والعمل معهم على تطوير مفهوم النزاهة وربطه بالتحول الاقتصادي والحوكمة الحديثة، يؤكد أن السعودية لا تكتفي بالتغيير الداخلي، بل تفتح أبواب تجربتها وتشارك خبرتها لتكون جزءًا من صناعة مستقبل مالي أكثر ثقة وعدلًا وإنصافًا.

وهكذا تثبت المملكة مرة أخرى أنها حين تتقدم، تُحدث فرقًا، وحين تتحدث، يتجه إليها الإصغاء. واليوم تقول للعالم بلغة منطقية مملوءة بالعمل لا بالشعارات: نحن ليس فقط قلب العالم العربي، بل أيضًا من يحمل رسالة الشفافية المالية ويمهد طريقًا دوليًا أكثر نزاهة واستدامة.

إنه إنجاز سعودي جديد، يضاف إلى سجل الإنجازات المتسارع، ويرسم ملامح مرحلة يعانق فيها الطموح الواقع، وتتحول فيها الرؤى إلى حقائق يراها العالم أجمع. ومن هنا، تُسهم المملكة في رسم مستقبل الحوكمة والمحاسبة بثقة ورؤية نحو نزاهةٍ وعدلٍ مستدام.