التعصّب الرياضي: ظاهرة تهدد جمال المنافسة وروح الرياضة
أ.د. محمد مباركي
عضو مجلس الشورى وأكاديمي
لم تعد الرياضة مجرّد منافسة داخل الملاعب، بل أصبحت مساحة تجمع الشعوب ، وتعزز روح التآخي والانتماء. غير أن ظاهرة التعصّب الرياضي باتت تشوّه هذا المشهد الجميل، حين يتحوّل التشجيع من حبٍّ لفريق إلى عداوة للآخرين.
فالتعصّب الرياضي هو ميل مفرط وغير عقلاني لتأييد نادٍ أو فريقٍ معيّن بطريقة تدفع البعض إلى رفض الطرف الآخر أو الإساءة إليه، سواء بالكلمة أو الفعل أو عبر وسائل التواصل الاجتماعي. وعندما يتجاوز التشجيع حدّه الطبيعي، يتحول إلى سلوك عدواني يزرع الكراهية بين الجماهير، ويفقد المنافسة معناها الحقيقي القائم على الاحترام والروح الرياضية.
هذه الظاهرة، التي قد تبدأ بكلمة أو تعليق، قد تنتهي أحيانًا بعنفٍ في الملاعب أو مشاحنات إلكترونية تؤثر في تماسك المجتمع ، وتضرّ بسمعة الرياضة الوطنية. والأسوأ من ذلك أن المتعصّب يعيش حالة من التوتر الدائم، وربما الاكتئاب عند خسارة فريقه، فيتحوّل شغفه إلى عبء نفسي وسلوكي.
ورغم الجهود الكبيرة التي تبذلها وزارة الرياضة والجهات المعنية للحد من هذه الظاهرة، إلا أن مكافحتها تتطلب تعاونًا أوسع من جميع مؤسسات المجتمع، بدءًا من وزارة التعليم والإعلام مرورًا بالأسر والمدارس، لتربية جيلٍ يدرك أن الرياضة ليست ميدانًا للخصام، بل ساحة للتنافس الشريف والمتعة الراقية.
وقد أكدت النيابة العامة أن نشر أو ترويج أي محتوى متعصّب يُعد جريمة معلوماتية يُعاقب عليها النظام، فيما تواصل الجهات الأمنية دورها في ضبط السلوك الجماهيري داخل الملاعب لضمان بيئة رياضية آمنة ومحترمة.
إن المملكة العربية السعودية – أيدها الله – تسير بخطى ثابتة في مواجهة التعصّب، من خلال استراتيجية شاملة تقوم على التوعية، والأنظمة، والإعلام المسؤول، لجعل الرياضة أسلوب حياة يعزز الوحدة الوطنية والقيم الإنسانية، بعيدًا عن كل ما يفرّق أو يثير الفتن. فالرياضة الحقيقية لا تعرف الكراهية، بل تحتفي بالروح، وتجمع المختلفين على محبة الوطن.