|

الدوبامين بين التخلي والتحلي

الكاتب : الحدث 2025-10-28 11:53:00

بدرية المالكي

لاتقتل المتعة يامسلم، قالها أحدهم، وتناقلها كثيرون، حتى غدت مثلاً، هذه المتعة لاتبلغ حد السعادة، لكنها تلبس الفرد صورة حسية ومعنوية يتجلى فيها الاستمتاع بشيء ما، وهو شعور يفرزه الدوبامين، الذي يعد ناقل عصبي يقوم بعددٍ من الوظائف كالتحفيز، والرغبة، والاندفاع، والحركة، والمزاج، والمتعة، والسعادة.

كثيرون هدفهم الأسمى هو خلق السعادة  لأنفسهم، لكنهم يقتلونها من حيث يعلمون أو لايعلمون، الممارسات اليومية السريعة قد تكون سُمًا زعافًا، فهي تضخ دوبامين عالي في الدماغ، حيث يرتفع النشاط الممارس من الحد الطبيعي إلى الإفراط، وينتج عنه -بعد انتهاء اللذة والنشوة- شيء من الحزن، وانعدام الشغف والدافعية، وحالات الأرق، والقلق، والاكتئاب، واضطرابات النوم.

يلجأ كثيرون لممارسات يومية وأنشطة ممتعة، لتحقيق نظام المكافأة، الذي يفرز الدوبامين، وغايته الشعور بالسعادة والرضا، لكن هذه الممارسات إن لم تكن منضبطة تورث شيئًا من البحث الدائم، واللهث المستمر للوصول إلى تلك اللذة، والنشوة، التي تزول سريعًا؛ وذلك لأن الدوبامين قد تغذى بممارسات مكثفة، تصل إلى حد الإدمان، فتنعكس معه حالة السعادة المتوقعة إلى ضمور وفقدان، وكثير ما تخلّف فجوة في العلاقات القائمة مع الأسرة، والأصدقاء، والمجتمع.

من صور هذه الممارسات السلبية العكوف فترات طويلة على الهاتف الجوال، والانتقال من مقطع قصير، إلى معلومة سريعة، إلى خبر عاجل، جميع ذلك يقتل المتعة الحقيقية، فالإفراط في استخدام مواقع التواصل الاجتماعي، وإدمان الألعاب الإلكترونية، ومشاهدة الأفلام الإباحية، وتناول الوجبات السريعة، وقس عليها، تحدث خللًا في الدوبامين، مع شعور بالملل السريع عند متابعة أحداث طويلة، أو اجتماع عائلي، أو لقاء صديق؛ لأن الممارسات السريعة تستنزف مشاعره الهاربة للبحث عن تفاعل سريع، وأثر خاطف .

وللحد من هذا الهدر، وإعادة برمجة جهاز المكافأة داخل الإنسان، يلجأ البعض إلى صيام الدوبامين، وهنا أرى تتبع قاعدة التخلية قبل التحلية، وهي مراقبة مصادر الدوبامين السريع، وتقليصها في بادئ الأمر؛ لخفض جرعة المتعة السريعة، ثم استبدالها بممارسات هادفة، كالقراءة،، الرياضة، المشي، تناول الوجبات اليومية مع الأهل، التأمل، التنفس العميق، كما أن الجهد المثمر المبذول في أي عمل يعزز إفراز الدوبامين، ويبعث المتعة والسعادة طويلة الأمد.

وأخيرًا.. الإدمان على المتع السريعة يسرقنا من ذواتنا، ويخفض روح الحياة في دواخلنا، بينما الاعتدال يمنحنا فرصة لنعيش سويًا جمال اللحظة بتفاصيلها.