|

الذكاء الاصطناعي بين الخطر والفرص.

الكاتب : الحدث 2025-10-19 10:37:24

أ. د. محمد مباركي
------------------------------

يشهد العالم اليوم ثورة تقنية غير مسبوقة عنوانها الأبرز هو "الذكاء الاصطناعي"، هذه التقنية التي تجاوزت حدود الخيال لتصبح شريكًا في كل تفاصيل حياتنا، من التعليم إلى الطب، ومن الإعلام إلى إدارة الأعمال. لكن مع هذه الثورة الهائلة، يبرز سؤال جوهري: هل نحن نتحكم في الذكاء الاصطناعي، أم أنه بدأ يتحكم بنا ؟
لقد أتاح الذكاء الاصطناعي فرصًا عظيمة للبشرية؛ فقد أصبح أداة فعالة لرفع الكفاءة والإنتاجية، وساعد على تطوير الخدمات الحكومية والتعليمية والطبية، كما ساهم في تحليل البيانات الضخمة واتخاذ القرارات الدقيقة في ثوانٍ معدودة، وهي مهام كانت تحتاج سابقًا إلى جهد بشري ووقت طويل.

في المملكة العربية السعودية، يُعد الذكاء الاصطناعي أحد الركائز الأساسية لرؤية 2030، من خلال مشاريع التحول الرقمي، والمدينة الذكية، وبرامج الابتكار التي يقودها الشباب السعودي بكفاءة واقتدار ،وتسعى المملكة إلى ضخ أكثر من ٢٠ مليار دولار في الذكاء الاصطناعي بحلول عام ٢٠٣٠, مع التزام عام يتجاوز ١٠٠ مليار دولار في مبادئ الذكاء الاصطناعي بهدف بناء بنية تحتية متطورة للذكاء الاصطناعي وتطوير قدرات تقنية سيادية للمملكة ووضع نفسها ضمن أفضل ١٥ دوله في العالم في هذا المجال. يتجلى هذا الطموح في دمج الذكاء الاصطناعي بشكل عميق في نسيج الاقتصاد والمجتمع السعودي. على سبيل المثال، تقف الشركة الوطنية هيومان ((HUMAIN التي تتعاون مع شركات عملاقه في هذا المجال مثل (AMD) و (NVIDI)-   في صميم هذه الجهود الطموحة مدعومة بالكامل من صندوق الاستثمارات العامة (PIF). 
تهدف هيومان إلى تطوير نماذج الذكاء الاصطناعي التأسيسية، وانشاء نماذج اللغة العربية الكبيرة (LLMs) الرائدة التي تتوافق مع القيم الإسلامية، وبناء بنية تحتية سيادية للذكاء الاصطناعي. فالمملكة لديها طموح قيادي عالمي في الذكاء الاصطناعي لتصبح منتجًا ومصدرًا لهذه التقنية، هذا الطموح يتجسد في الاستراتيجية الوطنية للبيانات والذكاء الاصطناعي (NSDAI) 

لكن في الجانب الآخر، لا يمكن تجاهل المخاطر التي ترافق هذا التطور المتسارع. فهناك تخوف من الاستخدام غير الأخلاقي للبيانات والمعلومات، إلى جانب خطر انتشار الأخبار الزائفة والتزييف العميق (Deepfake) الذي قد يهدد الثقة بالمصادر والمجتمعات. كما أن الاعتماد المفرط على الخوارزميات قد يؤدي إلى ضعف التفكير الإنساني الإبداعي، وجعل الإنسان أسيرًا للتقنية بدل أن يكون موجهًا لها.

إن التحدي الحقيقي لا يكمن في رفض الذكاء الاصطناعي أو الانبهار به، بل في تحقيق التوازن بين التطور والمسؤولية، بين استثمار التقنية لخدمة الإنسان، وضمان ألا تتحول إلى قوة خارجة عن السيطرة. فالتقنية في جوهرها ليست خطرًا ولا نعمة، بل مرآة تعكس نوايانا واستخداماتنا؛ فإن أحسنّا توجيهها كانت وسيلة للنهوض، وإن أهملنا ضوابطها كانت أداة تهديد.
وفي النهاية، يظل الذكاء الاصطناعي سلاحًا ذا حدين؛ يحمل في طياته فرصةً لبناء عالم أكثر ذكاءً وإنسانية، وخطرًا إن فقدنا السيطرة على حدوده الأخلاقية.
والسؤال الذي يبقى مفتوحًا أمام البشرية: هل سنستخدم الذكاء الاصطناعي لصناعة مستقبلٍ أفضل، أم سنتركه يصنعنا على طريقته.