|

انشغلوا بأنفسكم تسعدوا

الكاتب : الحدث 2025-10-11 11:03:33

بقلم : محمد آل درمة

يقول الفقيه أبو إسحق الشيرازي الذي يُعد من أهم شيوخ المذهب الشافعي: "سهرت ليلة مع أبي وحولنا الناس نيام، فقلت لأبي: لم يقم من هؤلاء من يصلي ركعتين! فقال أبي: يا بني لو نمت لكان خيرًا لك من وقوعك في الكلام عن الخلق"، انتهى .

استقامة الإنسان لا تعطيه الحق في السخرية من تقصير غيره، فلا تنظر إلى المقصر نظرة استعلاء، فالقلوب بين أصبعين من أصابع الرحمن يقلبها كما يشاء، فحين اختارك الله لطريق هدايته ليس لأنك مميز أو لطاعة منك، بل هي رحمة منه شملتك قد ينزعها منك في أي لحظة، لذلك لا تغتر بعملك ولا بعبادتك ولا تنظر باستصغار لمن ضل عن سبيله، فلولا رحمة الله بك لكنت مكانه، وإياك أن تظن أن الثبات على الاستقامة أحد إنجازاتك الشخصية، يقول أمير المؤمنين الخليفة عمر بن عبد العزيز: أدركنا السلف وهم لايرون العبادة في الصوم ولا في الصلاة ولكن في الكف عن أعراض الناس والخوض في شؤونهم، فقائم الليل وصائم النهار إن لم يحفظ لسانه أفلس يوم القيامة، قال الله سبحانه وتعالى لنبيه محمد ﷺ: "ولولا أن ثبتناك لقد كدت تركن إليهم شيئًا قليلًا".

‏‏واليوم تكثر الرسائل ذات الطابع الديني وتنتشر على وسائل التواصل الاجتماعي المختلفة، لو تمثلت في سلوكنا وأفعالنا وأخلاقنا، وطبقنا ما تكتبه وتنقله أيدينا لقل عمل الشُرط والنيابات العامة والمحاكم بأنواعها ودرجاتها وهيئة الرقابة ومكافحة الفساد، ولساد العدل والوئام والتعايش بين الناس، واختفت المنازعات والشكاوي والأحقاد والغش، ولكننا قومٌ نقول ما لا نفعل ‏ونظهر ما لا نبطن ونجيد لبس الأقنعة، يقول تعالى: "يا أيها الذين آمنوا لِمَ تقولون ما لا تفعلون كبر مقتًا عند الله أن تقولوا ما لا تفعلون".

متلازمة تقديس الأشخاص أيًا كانوا بالمبالغة في منحهم ألقاب ومسميات ما أنزل الله بها من سلطان يُعد خطأ وطريق إلى تعظيم وتقديس وتنزيه ليس في محله، وأخطرها ألقاب تمنح لبعض الدعاة وطلاب العلم لأسباب هوى وحزبية أو جهل، على سبيل المثال لا الحصر: "العلامة، الفقيه، الإمام، المحدث، المجدد، المحقق، الحافظ، الأصولي، العالم الجليل، الشيخ  وغيرها"، لم تمنحهم الدولة تلك المسميات والألقاب، وتكمن الخطورة في إدعاء طلبتهم وأتباعهم باحتكار شيخهم للمعرفة والحقيقة وأن رأيه صواب لا يحتمل الخطأ ورأي غيره خطأ يحتمل الصواب، والمبالغة في تمجيده حتى يبقى صيته وأثره للأجيال القادمة، وهنا مكمن الخطورة والمعضلة الكبرى حيث يتم تعظيمه أكثر وأكثر، والحقيقة أن كل ابن آدم خطاء عدا محمد ﷺ، والكل محل نقد وتقويم كائنًا من كان، ولا مراجع دينية وولي فقيه وحاخام وكهنوت في الدين الإسلامي الحنيف، قال ﷺ: "لا تطروني كما أطرت النصارى ابن مريم فإنما أنا عبده فقولوا عبدالله ورسوله".

كـن محسنًا حتى وإن لم تلقى إحسانًا، فالله يحب المحسنين، وعامل الناس بأخلاقك ولا تعاملهم بأخلاقهم فأنت أنت وهم هُم، وإذا أردت أن تعرف قدر مكارم الأخلاق في شخصك فانظر إلى حالك عند معاملة مخالفيك ولا تنظر إلى حالك عند معاملة موافقيك، فطبيعة البشر إنصاف الموافق وهضم حق وقدر المخالف، واعلم بأن كلام الناس أشبه بالتراب إذا لم يطر في الهواء فسيسقط على الأرض ويداس بالأقدام، عش كما أنت تريد وليس كما هم يريدون، ولا تلتفت لكلام وألسنة المخالفين والحاقدين والحاسدين، فلن يرضوا عنك حتى تتبع منهجهم وفكرهم، وإن تطاول عليك يومًا مخالف فتذكر قول الإمام الشافعي رحمه الله: قل ماشئت بمسبتي فسكوتي عن اللئيم هو الجواب لست عديم الرد لكن مامن أسد يجيب على الكلابِ، ‏يقول تعالى: "ربنا لا تُزغ قلوبنا بعد إذ هديتنا وهب لنا من لدنك رحمة إنك أنت الوهاب"، اللهم يا مقلب القلوب والأبصار ثبت قلوبنا على دينك ما أحييتنا !