اللغة الصامتة
بقلم ـ د. محمد مباركي
كثيرًا ما نلاحظ في حياتنا اليومية وعلاقاتنا الاجتماعية ، وحياتنا المهنية تناقض الكلام مع الجسد، فنصدق الجسد أكثر من الكلام، لأن الكلام إرادي نختاره بعقلنا الواعي، لكن لغة الجسد لا إرادية تأتي من المشاعر الحقيقية. فيحدث تضارب فيصدر الجسد إشارات صغيرة تكشف التناقض. وفي المقابل عندما تتوافق لغة الجسد مع الكلام تشعر بالارتياح وتطمئن نفسك للمتحدث.
ولفهم لغة الجسد، نستطيع أن نعرّفها بأنها إشارات وحركات وتعبيرات غير لفظية يصدرها الإنسان بشكل واعٍ أو لا واعٍ، مثل تعابير الوجه، ونظرات العين، وحركات اليدين، ووضعية الجسد، ونبرة الصوت. فهي تعتبر وسيلة للتواصل تُظهر ما يشعر به الفرد أو يفكر فيه دون أن يتكلم. بمعنى آخر لغة الجسد هي اللغة الصامتة التي يتحدث بها الجسد حين تعجز الكلمات عن التعبير.
وتكمن أهمية لغة الجسد أنها تكشف المشاعر الحقيقية وتساعد الطرف الآخر فهم ما يشعر به الشخص فعلاً. وتعزز التواصل الفعّال بين الأفراد وتوضح المعاني خلف الكلمات. وتسهم في بناء الثقة والمصداقية عندما تتوافق مع الكلام. وتساعد في قراءة الآخرين والتعامل معهم بذكاء في المواقف الاجتماعية والمهنية. وتكشف التوتر أو الكذب لأن الجسد يصعب عليه التحكم أثناء المشاعر القوية. وهي أداة فعّالة للقيادة والإقناع لأن المتحدث بلغة جسد قوية يكون أكثر تأثيرًا.
والملاحظ أنه الانسان لا يستطيع الكذب طويلاً، لأن ما يشعر به الإنسان فعلاً ينعكس عليه وليس ما يريد أن يُظهره. وكما يقول المختصون أن المشاعر تولد داخل الدماغ، وهذا الجزء يتحكم أيضًا بردّات الفعل الجسدية مثل: تغيّر التنفس وتوسّع أو انقباض البؤبؤ أو حركة اليدين أو الساقين. بمعنى أن المشاعر تترجم فورًا إلى حركة جسدية لا إرادية.
ومع هذا يمكن للإنسان مقاومة بعض مظاهر لغة الجسد، لكنه لا يستطيع إخفاءها كليًا، لأن الجسد في النهاية مرآة صادقة لما في الداخل. فعلى سبيل المثال، يمكن للإنسان التحكم في بعض الإشارات الظاهرة مثل الابتسامة، نبرة الصوت، الجلوس بثبات، أو التواصل البصري المصطنع. لكن هذه السيطرة مؤقتة وتتطلب تركيزًا عاليًا . لهذا الأشخاص ذوو التدريب العالي مثل الممثلين، المحققين، والسياسيين يستطيعون تقليل الإشارات أو تشويش تفسيرها، لكنهم لا يستطيعون السيطرة التامة. بينما في الجانب الآخر، هناك إشارات لا إرادية تقريبًا يصعب إخفاؤها لأنها ناتجة من الجهاز العصبي التلقائي، مثل: اتساع أو انقباض البؤبؤ. واحمرار الوجه أو شحوبه. والتعرق المفاجئ أو جفاف الفم.
لغة الجسد مرآة داخلية صادقة لما يشعر به الإنسان، حتى وإن حاول إخفاء مشاعره بالكلمات أو الحركات المتقنة، فإن الجسد في النهاية يبوح بالحقيقة من خلال تفاصيل صغيرة لا يمكن للعقل أن يسيطر عليها دائمًا.
*(اكاديمي وكاتب)