يوم المعلم العالمي
بقلم الكاتبة : شفاء الوهاس
في كل عام، وتحديدًا في الخامس من أكتوبر، يحتفل العالم بـ يوم المعلم العالمي، ذلك اليوم الذي يحمل في طياته رسالة تقدير ووفاء لأعظم مهنة عرفها التاريخ — مهنة التعليم. ففي هذا اليوم، تقف الشعوب والأمم إجلالًا لصناع العقول وبناة الفكر، لأولئك الذين أناروا دروب المعرفة، وفتحوا أمام الأجيال نوافذ الأمل والمستقبل.
يوم المعلم ليس مجرد احتفال رمزي، بل هو مناسبة لتجديد العهد تجاه العلم، وتقدير كل يدٍ مخلصة ساهمت في تعليم طفل، أو توجيه شاب، أو إلهام إنسان.
بدأ الاحتفال بيوم المعلم العالمي لأول مرة في عام 1994، بناءً على قرار من منظمة اليونسكو ومنظمة العمل الدولية، تخليدًا لتوقيع توصية عام 1966 التي تتعلق بأوضاع المعلمين في العالم.
ومنذ ذلك الحين، أصبح هذا اليوم مناسبة سنوية تحتفي فيها الدول بالمعلمين، وتسلّط الضوء على إنجازاتهم وتحدياتهم، وتناقش سبل تحسين أوضاعهم المعيشية والمهنية.
وتختلف مظاهر الاحتفال من بلدٍ إلى آخر، لكنها جميعًا تتفق على هدف واحد: تقدير المعلم باعتباره الركيزة الأساسية في بناء الإنسان والمجتمع.
أهمية المعلم في بناء الأجيال ..
لا يمكن لأي نهضة أن تقوم دون معلمٍ واعٍ ومخلص. فالمعلم هو الذي يزرع بذور العلم في عقول طلابه، ويرويها بالصبر والحكمة حتى تُثمر إبداعًا وتميّزًا.
المعلم ليس ناقلًا للمعلومات فقط، بل هو مربٍ للأخلاق، وصانعٌ للشخصيات، وموجّهٌ نحو طريق الصواب.
بفضل المعلم، يتعلم الإنسان كيف يفكر، وكيف يبحث، وكيف يُعبّر عن ذاته بثقة. ومن خلاله، تتحول المجتمعات من الجهل إلى النور، ومن التخلف إلى التقدم.
ولذلك قال أمير الشعراء أحمد شوقي كلمته الخالدة:
“قُم للمعلّمِ وَفِّهِ التبجيلا *** كادَ المعلّمُ أن يكونَ رسولا”
التحديات التي يواجهها المعلمون اليوم ..
على الرغم من الأهمية العظيمة لدور المعلم، إلا أن مهنته من أكثر المهن التي تواجه التحديات. فالمعلم اليوم يتحمل ضغوطًا نفسية واجتماعية كبيرة، سواء بسبب تطور المناهج، أو تغير سلوكيات الطلاب، أو ضعف الإمكانات التعليمية.
كما أن التحول الرقمي السريع في التعليم فرض عليه مواكبة التكنولوجيا الحديثة، وإعادة ابتكار طرق التدريس بما يتناسب مع عصر الذكاء الاصطناعي والتعليم الإلكتروني.
ومع ذلك، يبقى المعلم رمزًا للعطاء اللامحدود، يعمل بإخلاص من أجل رسالة نبيلة، دون أن ينتظر مقابلًا ماديًا بقدر ما ينتظر رؤية طلابه ناجحين في حياتهم.
و المعلم هو حجر الأساس في بناء الحضارة الإنسانية. فكل عالمٍ أو مخترعٍ أو طبيبٍ أو مهندس، كان يومًا تلميذًا في صفٍ علمه معلمٌ محبٌ ومخلص.
إن تأثير المعلم لا يتوقف عند حدود المدرسة، بل يمتد إلى كل زاوية في المجتمع. فهو من يغرس قيم المواطنة والانتماء، ويعلّم معنى التعاون والاحترام والمسؤولية.
بفضل المعلم، تُبنى الأوطان على أسس من المعرفة والوعي، وتُنشأ أجيال قادرة على قيادة المستقبل بثقة وإبداع.
رسالة تقدير إلى كل معلم ومعلمة ..
في هذا اليوم العظيم، نقف جميعًا احترامًا لكل معلمٍ أخلص في عمله، وعلّم بضمير، وصبر على مشقات المهنة من أجل بناء جيلٍ أفضل.
إلى كل معلمٍ أضاء طريق طلابه بنور العلم، وغرس فيهم القيم والمبادئ، نقول:
شكرًا لكم… أنتم من تصنعون الفرق الحقيقي في حياة الناس، وأنتم الأبطال المجهولون الذين يبنون المجد من وراء الكواليس.
أنتم النور الذي لا ينطفئ، والقدوة التي لا تُنسى.
يبقى يوم المعلم العالمي مناسبة نُجدّد فيها عهد الوفاء والاحترام لهذه المهنة العظيمة، ونتذكر أن مستقبل الأمم مرهون بجودة التعليم، وأن جودة التعليم تبدأ من جودة المعلم.
فإذا أردنا غدًا أفضل، فعلينا أن نُكرم معلم اليوم، ونمنحه المكانة التي يستحقها ماديًا ومعنويًا.
كل عامٍ ومعلمونا بخير، وكل عامٍ وأنتم صُنّاع الأمل، وحماة الفكر، ومهندسو العقول.
أنتم حقًا منارة الطريق، ومنكم يبدأ التغيير.