|

كاد أن يكون رسولا!

الكاتب : الحدث 2025-10-05 10:25:48


بقلم - حسن بن محمد المباركي
————————————-

إن نهضة الأمم وقوة المجتمعات لا تُقاس بما تمتلكه من ثروات أو عتاد، بل بما تُثمره عقول أبنائها وبمدى رعاية المعلمين لهم؛ لأن وجود المعلم هو الركيزة الأساسية لبناء الإنسان وصناعة المستقبل، وهو الذي يغرس في النفوس حب العلم والمعرفة، ويزرع في العقول بذور الفكر والابتكار.

هذا الدور التربوي يعلِّمُ الطلاب أن الطريق إلى المجد لا يبدأ بالمال أو بالقوة، بل بالعلم والعمل الصادق والإرادة، ويغرس فيهم روح التميز والطموح.

إن من يؤدي هذه الرسالة العظيمة سيصبح أكثر من ناقل للمعرفة؛ فالمعلم صانع القادة، ومهندس القيم، ومؤسس الحضارة في كل عصر وزمان، ومن بين يديه تنبثق الطاقات الكامنة، ويكتشف كل طالب قدراته، ويشق طريقه بثقة نحو مستقبل واعد.

ويعد المعلم هو الركيزة الأولى لكل نهضة، واليد التي تمهِّد طريق الوطن إلى التقدُّم، والحاضر في كل منجز يرفع رايته، وفي كل بناء يخلّد حضارته.

من يزرع القيم في النفوس يحمل رسالة سامية، ويعلّم الأجيال روح المسؤولية والانتماء، والولاء للوطن، ويجعلهم جزءًا فعّالًا في تقدم المجتمع وازدهار الأمة.

وبصبر المعلم وإخلاصه وعطائه المستمر، تصبح العملية التعليمية شعلة مضيئة تهتدي بها الأجيال، ويغرس فيهم روح الطموح والعمل لتحقيق المجد.

هذه المهمة ليست مجرد وظيفة، بل رسالة سامية وركيزة أساسية في صناعة المستقبل وبناء الأجيال، فالمعلم هو الذي يضع أسس النهضة، وبيديه تُصاغ ملامح الوطن، وبعلمه تُبنى الأمم، وبحكمته يُكتَب المجد ويزدهر التاريخ.

في هذا اليوم، ومن كل عام، تعود الذاكرة إلى موقف حمل بدايات الحلم، كنت صغيرًا وخجولًا، لا أجرؤ على رفع صوتي في الصف، حتى جاء من آمن بقدراتي، فزرع في قلبي الثقة وأشعل في نفسي شغف التعلم، حيث تمكنت تدريجيًا من التعبير عن نفسي، والمشاركة بأفكاري، واكتشاف قدراتي، ولم يكن ما تلقيته مجرد معرفة، بل كانت بذور حلم تزدهر يومًا بعد يوم.

حين تقرأ صفحات التاريخ، تدرك أن وراء كل نهضة راسخة معلمًا صبورًا ومربيًّا فاضلًا، يغرس في العقول العلم والقيم.

هذا القائد التربوي ليس ناقلًا للمعلومة فحسب، بل صانع الإنسان ومهندس الفكر وحارس الهوية، تخرَّج على يديه الأطباء والمهندسون والقادة وكل فئات المجتمع. وكل إنجاز مشرق في سجل الحضارة بدأ يومًا بين أنامله.

ولا ينهض المعلم وحده؛ فدوره يتكامل مع مجتمع واعٍ يقدّر رسالته ويحمي مكانته، وتسانده الأسرة، والإعلام، والمؤسسات المحلية، وكل فرد يسهم في رفع مكانته، ليظل مشعل المعرفة مضاءً في قلوب الأجيال.

إن وزارة التعليم جعلت تطوير المعلم وتعزيز مكانته أولوية وطنية، وقدمت له برامج تدريبية متقدمة، ومبادرات تحفيزية، وفرص تميز مهني، وبيئة تعليمية حديثة تمكنه من أداء رسالته بكل اقتدار.

ومع ما يبذله المعلم من جهد وعطاء، يحمل في قلبه أمنيات سامية، بأن يرى ثمرة عمله في طلاب ناجحين، وأجيال تحمل القيم وتنهض بالعلم. تلك الأمنيات ليست خاصة به وحده، بل هي أحلام وطن بأسره.

نحن اليوم بحاجة إلى مربٍّ يُلهم العقول، ويشعل شغف التعلم، ويجيد مهارات التفكير النقدي، ويحفّز على التميز العلمي، ويوازن بين نقل المعرفة وبناء القيم، ويمتلك المرونة في مواجهة تحديات العصر، ويستخدم التقنيات التعليمية بمهارة عالية.

وقد حظي المعلم في تعليم جدة باهتمام واسع، حيث خُصِّصتْ له جائزة أهالي جدة للمعلم المتميز؛ تقديرًا لعطائه وجهوده، وهي رسالة واضحة عن مكانته في المجتمع، وتشجيع له على الاستمرار في الإبداع.

المعلم حجر الأساس في بناء الإنسان والمجتمع؛ فمن خلاله تترسخ القيم ويُغرس حب المعرفة، ويتهيأ الطلاب لمواجهة تحديات المستقبل، فتصبح جهوده في تنمية التفكير، وتعزيز روح المواطنة، وترسيخ الانتماء الوطني، أساس النهضة وصناعة المجد.

 اعلم أيها المربي أنك تحمل رسالة عظيمة؛ فبجهودك تُبنى العقول، وتُصاغ القيم، وتُرسم ملامح الغد، ورسالتك لا تقف عند حدود الصف، بل تمتد إلى المجتمع كله؛ لتكون القدوة، والموجّه، وصوت الحكمة، وبصبرك وإخلاصك تُسهم في صناعة حاضر مشرق ومستقبل واعد.

وإذا أردنا أن نقيس نهضة الأمم، فلا نقيسها بما تملك من ثروات، بل بما يمتلكه من معلمين يؤمنون بأن العقول أثمن من الكنوز، وأن الكلمة أقوى من السيف، ويزرعون في طلابهم حب السؤال والمعرفة.

ويبقى دور المعلم في كل زمان ومكان نبضًا حيًا في جسد الأمة، يتجاوز أثره مجرد المعرفة إلى ترسيخ القيم وغرس العزيمة، ومنه تنطلق قوافل العلم التي تصنع للأوطان مجدها، وللأمم مكانتها وعزها.

إن الدولة-رعاها الله-إذ تضع المعلم في صدارة أولوياتها، وتكرمه وتقدّر جهوده، فهي تعترف بدوره الكبير في بناء الإنسان وصناعة المستقبل، وتثمن أثره في تحقيق رؤية الوطن ونهضته العلمية والحضارية.

فللمعلم القدر والفضل في كل إنجاز تحققه الأمة، وفي كل تقدم تصل إليه، فهو منارة المعرفة التي تنير الطريق للوطن، وجوهرة الأمة الثمينة التي تحفظ لها مكانتها، وتحقق لها المجد والرفعة.

فبارك الله في جهود المعلمين، وجعل أعمالهم خالصة لوجهه الكريم، ورفع قدرهم ومكانتهم، وجعل أثرهم في الأجيال مشرقًا، ونورهم في الأمة والوطن هاديًا.