جامعة الفنون ثمار الاستثمار في الثقافة
د.طلال الحربي
شهدت العاصمة الرياض انعقاد مؤتمر الاستثمار الثقافي 2025 برعاية كريمة من صاحب السمو الملكي الأمير محمد بن سلمان بن عبدالعزيز آل سعود، ولي العهد رئيس مجلس الوزراء -حفظه الله-، في حدث تاريخي يجسد التحول العميق الذي تشهده المملكة في التعامل مع القطاع الثقافي ليس مجرد تعبير عن الهوية، بل كرافد اقتصادي حيوي ومحرك استراتيجي لتنويع مصادر الدخل.
لم تكن رؤية المملكة 2030 مجرد خطة تنموية تقليدية، بل أعادت تعريف مفهوم الثقافة ودورها في المملكة، ليتحول هذا القطاع من مجال يقتصر على الأنشطة التراثية والتعبيرية إلى قطاع منتج يسهم في الناتج المحلي الإجمالي، ويخلق فرص العمل، ويعزز المكانة الدولية للمملكة. وقد أدركت الرؤية أن الثراء الثقافي والتاريخي الهائل الذي تمتلكه المملكة، إلى جانب طاقتها الشبابية المتعطشة للإبداع، يشكلان رأسمالاً غير تقليدي يمكن تحويله إلى استثمارات ملموسة ومشاريع مستدامة.
وفي إنجاز غير مسبوق، أعلن صاحب السمو الأمير بدر بن عبدالله بن فرحان وزير الثقافة خلال المؤتمر عن إطلاق جامعة الرياض للفنون قريباً، لتكون حجر الأساس للتعليم الإبداعي والابتكار في المملكة. وتهدف الجامعة إلى الريادة في التعليم الإبداعي من خلال شراكات مع مؤسسات أكاديمية دولية رائدة، حيث ستمنح درجات علمية تتراوح من الدبلوم إلى الدكتوراة في تخصصات متنوعة تشمل الموسيقى والأفلام والمسرح والفنون الأدائية والعمارة والتصميم وفنون الطهي والفنون البصرية وغيرها.
ومن المقرر أن يعلن عن التفاصيل الكاملة للجامعة في الربع الأول من عام 2026، حيث تطمح المملكة لأن تكون هذه الجامعة ضمن قائمة أفضل 50 جامعة دولية متخصصة في الفنون والثقافة على مستوى العالم، مما يعكس حرص المملكة على بناء القدرات الثقافية التي تعد إحدى ركائز خطتها لتطوير قطاعاتها الثقافية.
كشف المؤتمر عن أرقام تدل على النقلة النوعية التي شهدها القطاع الثقافي السعودي منذ إطلاق رؤية 2030، حيث:
· قفزت مساهمة القطاع الثقافي في الناتج المحلي الإجمالي إلى 1.6%
· ارتفع عدد العاملين في القطاع إلى 234 ألف شخص
· بلغت قيمة الدعم المالي المتدفق للقطاع نحو ملياري دولار في عام 2024
· تجاوزت الاستثمارات في البنية التحتية للقطاع 81 مليار ريال
· زاد عدد الجمعيات والمؤسسات الثقافية غير الربحية من 28 في 2017 إلى 993 في 2024
أكد سمو وزير الثقافة أن القطاع الخاص يأتي بصفته شريكاً استراتيجياً في رحلة تطوير القطاع الثقافي السعودي، مشيراً إلى أن المؤتمر شهد توقيع 89 اتفاقية بقيمة تقارب 5 مليارات ريال. كما أعلن معالي وزير الاستثمار المهندس خالد الفالح عن قرب إطلاق صندوق بحجم 150 مليون ريال للإستثمار في فئات إبداعية ثقافية محددة، فيما تجاوز حجم الاستثمار الأجنبي في القطاعات الثقافية 500 مليون دولار العام الماضي.
شهد المؤتمر مشاركة أكثر من 150 متحدثاً و1500 مشارك من كبار صناع القرار وقادة الثقافة والاستثمار على المستويين الوطني والدولي، من بينهم شخصيات مرموقة مثل تشارلز ستيوارت من "سوذبيز"، وغيّوم سيروتي من "كريستيز"، ونواه هوروفيتز من "آرت بازل"، وتوني فينتشيكويرا من "سوني بيكتشرز". وناقشت 38 جلسة حوارية وورشة عمل موضوعات متنوعة شملت الذكاء الاصطناعي وتقنيات التمويل والشراكات المبتكرة.
يمثل مؤتمر الإستثمار الثقافي خطوة عملية جديدة في مسيرة تحول المملكة الثقافي والاقتصادي، وهو تجسيد حي لرؤية القيادة الحكيمة وإيمانها بأن الاستثمار في الثقافة هو استثمار في الإنسان والمستقبل. فتحول الثقافة إلى صناعة وإبداع واستثمار لم يعد خياراً، بل أصبح واقعاً ملموساً تشهد عليه الأرقام والإنجازات، في مسيرة تضع المملكة في مصاف الدول الرائدة في الاقتصاد الإبداعي عالميًا.