|

" خالد الفيصل " الأمير الذي رسم القصيدة وأدار الوطن.

الكاتب : الحدث 2025-10-03 10:37:24

بقلم : علي بن أحمد الزبيدي 

في حضرة صاحب السمو الملكي الأمير خالد الفيصل بن عبد العزيز آل سعود، تتقاطع الألقاب وتتداخل الأبعاد، فهو أمير، وزير، مستشار، شاعر، رسام، إداري، ومثقف، وقبل كل هذا هو  ابن الملك فيصل، وجدّه الملك عبدالعزيز، وهذا الإرث العظيم شكّل مسار حياة سموه، فقد صَدَّر كتابه ( إن لم … فمن .. !!؟ ) متحدثا عن هذا الأثر، ولعلي لا أذيع سرّاً إن قلت أنّ نفسي ومنذ زمن بعيد كانت تراودني في الكتابة عن شخصية الأمير لكن انبهاري كان يمنعني، حتى تهيأ لي قراءة كتاب سموّه الموسوم بـ ( إن لم فمن ) وما أن أنهيته حتى وجدتني اكتب هذا المقال .

إنّ الأمير خالد الفيصل لم يكتفِ بأن يكون امتدادًا لسلالة ملكية، بل اختار أن يكون صوتًا فريدًا في السياسة والثقافة والإدارة، وأن يكتب سيرته بمداد من الإبداع والانضباط، فقد ولد الأمير خالد الفيصل في مكة المكرمة عام 1940م، وتلقى تعليمه الأولِي في الأحساء والطائف، ثم انتقل إلى الولايات المتحدة حيث حصل على دبلوم الثانوية من مدرسة ( هُن ) ، قبل أن يلتحق بجامعة أكسفورد البريطانية لدراسة العلوم السياسية والاقتصادية، وهذا التكوين الأكاديمي المبكر شكّل رؤيته الإدارية، وعمّق فهمه للعلاقة بين الإنسان والمكان، وهي الفكرة التي ستصبح لاحقًا محورًا في مشروعه التنموي.

بدأ الأمير خالد الفيصل مسيرته المهنية مديرًا لرعاية الشباب عام 1967، حيث أطلق برامج غير مسبوقة لتطوير قطاع الرياضة والثقافة، وهو صاحب فكرة إقامة بطولة كأس الخليج لكرة القدم، التي أصبحت لاحقًا من أبرز البطولات الإقليمية، كما أبدى اهتمامًا خاصًا برياضات الفروسية والسباقات، وشارك في دعمها تنظيميًا وثقافيًا، مؤمنًا بأن الرياضة ليست ترفًا، بل وسيلة لبناء الإنسان.

لقد لمع اسم الأمير خالد في أكثر من مناسبة ولذلك  عُيّن أميرًا لمنطقة عسير عام 1971، وكانت المنطقة حينها تعاني من ضعف في البنية التحتية والخدمات، ولكنّ الأمير خالد بفكره العظيم وخلال 37 عامًا من قيادته لها، حوّلها إلى نموذج تنموي متكامل، حيث أسس نادي أبها الأدبي، وأطلق جائزة أبها، وصحيفة الوطن واهتم بالثقافة كجزء من التنمية، ولم يكن الأمير خالد مجرد مسؤول إداري، بل كان صاحب رؤية تربط بين الجمال الطبيعي والنهضة الإنسانية.

وفي عام 2007، انتقل إلى إمارة منطقة مكة المكرمة، ليقود واحدة من أكثر المناطق حساسية وتعقيدًا في المملكة،وتولى إدارة ملف الحج، وأشرف على مشاريع تطويرية ضخمة، منها توسعة الحرم، وتحسين البنية التحتية في جدة والطائف ومكة، وفي عام 2013، عُيّن وزيرًا للتربية والتعليم، حيث سعى إلى ربط التعليم بالقيم الوطنية والهوية الثقافية، قبل أن يعود أميرًا لمكة عام 2015م ليكمل المسيرة التي بدأها تطويراً وتنمية. 
وفي عام 2015م صدر أمر ملكي بتعيينه مستشارًا لخادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبد العزيز، وهو منصب يعكس الثقة الملكية في حكمة سموه وخبرته الطويلة.

 لم يكن الأمير خالد أميرًا فقط بل شاعراً وتسمى بـ "دايم السيف" في بداياته، وهو لقب استحقّه بكل جدارة فهو شاعر نبطي صاحب تجربة فريدة، كتب قصائد خالدة في الوطنية والحب والفلسفة، والحكمة، والقارئ لدواوينه يجد فيها عمقًا فكريًا وتعبيريًا نادرًا، وقصائده ليست مجرد كلمات، بل مواقف، تعكس رؤيته للحياة والإنسان، وتُظهر توازنًا بين الحزم والعاطفة.

ولم يكن الشعر فقط يستهوي الأمير بل إن الفكر المتقد والنظرة الثاقبة جعلت الأمير خالد يبدع في الرسم، وأقام معارض فنية عدة داخل المملكة وخارجها، وتمزج لوحاته بين التجريد والرمزية، وتُظهر حسًا جماليًا يعكس رؤيته للإنسان والمكان، وقد جمع في دواوينه بين القصيدة واللوحة، ليؤكد أن الفن ليس ترفًا، بل وسيلة لفهم الذات والواقع.

لقد أسّس الأمير خالد الفيصل مؤسسة الفكر العربي، ومجلة الفيصل، وكان عضوًا فاعلًا في مؤسسة الملك فيصل الخيرية، ومؤسسة الملك عبد العزيز ورجاله للموهبة والإبداع "موهبة"، وهذه المؤسسات لم تكن مجرد كيانات إدارية، بل منصات لصناعة الوعي، وتكريس الحوار، وتعزيز الهوية الثقافية العربية وهو همٌ حمله الأمير منذ نشأته الأولى .
وقد احتضن الأدباء والمثقفين في مبادراته، وفتح لهم قلبه وقصره، ولعل تجربة "قرية المفتاحة"، التي أصبحت مركزًا غير رسمي للفن التشكيلي، وخرّجت أسماء سعودية لامعة في الفن العالمي خير دليل على اهتمام سموه بالفن والأدب والثقافة وأهلها .
سيبقى سمو الأمير خالد الفيصل نموذجاً يحتذى في الإدارة والثقافة والأدب والإبداع والتميز، وأسأل الله أن يحفظ سموه ويطيل في عمره. 
همسة الختام : 
في سيرة الأمير خالد الفيصل، تتجسد معاني القيادة المتكاملة أن تكون مسؤولًا، ومثقفًا، ومبدعًا، وأن تصنع من كل منصب منبرًا للنهضة، فهو الأمير الذي لا يكتفي باللقب، بل يضيف إليه معنى، ويجعل من كل مهمة قصيدة، ومن كل قصيدة مشروعًا، ومن كل مشروع لوحة وطنية نابضة بالحياة، ولمن أراد أن يرى كيف يُصاغ المجد، فليقرأ في سيرة خالد الفيصل.