بين الفاجعة والفرحة… يولد "النصب"
بقلم ــ محمد بن عبدالله العتيق
في كلِّ أمرٍ، وفي كلِّ مناسبة، وفي كلِّ حادثة—محزنةً كانت أو مُفرِحة—يخرج لنا الكذّابون والمتسلِّقون والمزوِّرون. يستغلّون أسماء رجال الأعمال، وأسماء المسؤولين، وأسماء أشخاصٍ لهم مكانتهم وثقة الناس بهم، ليمارسوا الكذب والتدليس ومحاولة النصب على الآخرين. والباب الذي يدخلون منه واحد: استغلال الحالة العامّة—حزنًا كانت أم فرحًا—ليُسَوِّقوا أوهامهم على أنها الحقيقة.
انظروا كيف يحدث ذلك: عند وفاة عالمٍ جليل أو شخصيةٍ مُوقَّرة—كمنصب المفتي العام مثلًا—يقفز لنا شخصٌ أرعن من خارج البلاد، ينتحل اسم علامة تجارية معروفة أو شخصية موثوقة، ويزعم أنّه “بمناسبة المصاب” سيوزّع مبالغ وأجورًا وهبات. وما أسخف من هذا الدَّعيّ إلّا من يصدّقه! وكيف تُصدِّق من يَعِد بالمال بلا دليل، أو من يعلن “تبشيرًا” لا أصل له؟ ثمّ في مناسبات الفرح، كاليوم الوطني ونحوه، يخرج آخر ليقول: “سنوزّع ثلاثين سيارة فارهة؛ لك نصيب منها… أرسل رقمك على الخاص!” كيف تُصدّقون هؤلاء التافهين السارقين النصّابين؟!
على المرء أن يزن الأمور بعقله قبل عاطفته. لا يمكن لأي جهةٍ رزينة أن توزّع مبالغ بهذه الطريقة المرتجلة. واجبك أن تكون واعيًا يقظًا؛ أن تقرأ بتمييز، لا أن تنجرف وراء كلّ ما يُكتب ويُقال. وإليك بديهياتٌ بسيطة تكشف الزيف من دون عناء:
أولًا: انظر إلى صاحب الحساب. من يتابعه؟ كم عدد متابعيه؟ متى أُنشئ الحساب؟ ماذا في أرشيفه؟ الحسابات الجادّة لها تاريخ وسِجلّ، لا تُخلق من العدم.
ثانيًا: تحقّق: هل الحساب أصليّ أم مزيّف؟ ستعرف ذلك بسهولة—من العلامة الموثَّقة، من أسماء المتابعين، من أسلوب النشر، ومن توافق المعطيات.
ثالثًا: راجع التغريدات والمنشورات السابقة. هل فيها اتّساق؟ أم أنّها صور منسوخة وروابط مختصرة لا تُسمن ولا تُغني؟
رابعًا: قارن مع الحساب الأصلي للشخصية أو الجهة. إن كان الخبر صحيحًا، لِمَ لم يُنشَر في الحساب الرسمي؟ ولماذا لا وجود له في الموقع المعتمد أو البيان الموثوق؟
خامسًا: ابحث عن المصدر. دقيقة واحدة في البحث تكفي لكشف الافتراء.
لا تكن إمّعةً تُساق حيث ساقك المُضلِّل. لا تصدِّق كلَّ ما تقرأ وترى. في عصرنا هذا، من لا يعرف هذه الأمور فهو أمّيٌّ رقميّ—كأمّيّ الأمس الذي لا يقرأ ولا يكتب. اجعل لنفسك مناعةً معرفية: لا تُرسل بياناتك لأحد، لا تضغط روابط مجهولة، لا تُحوِّل “رسومًا رمزية” لاستلام “جائزة”، ولا تمنح رقمك لمن لا تعرفه.
انتبه… لا تكن ضحيةَ اصطيادٍ لهؤلاء الفارغين. نسأل الله أن يجازيهم بما يستحقّون على أعمالهم القذرة، وعلى استغلالهم حاجةَ الناس ومشاعرهم لسلب ما تبقّى لديهم من المال. واعلم أن خير ما تفعله أمام هذا العبث أن تُبلّغ وتُحذِّر، وأن تجعل شعارك دائمًا: دليلٌ أو تجاهُل؛ فما قام على بيّنة قبِلْنَاه، وما خلا من الدليل رددناه وتركناه يذبل في صمته.