عبق الأصالة وروح المعاصرة في ذاكره اليوم الوطني.
محمد بن علي مباركي
أكاديمي وكاتب
يُعدّ اليوم الوطني السعودي حدثاً مفصلياً في تاريخ المملكة، حيث يُستعاد فيه ذكرى توحيد البلاد على يد الملك عبدالعزيز بن عبدالرحمن آل سعود عام 1351هـ/1932م. هذه الذكرى ليست مجرد محطة تاريخية، بل هي انعكاس حيّ لمسيرة وطن استطاع أن يحافظ على أصالته الدينية والثقافية، وأن يواكب في الوقت ذاته روح العصر ومتغيراته. فقد قامت الدولة على أسس دينيه واجتماعيه مستمده من الشريعة الإسلامية، وفي الوقت نفسه تبنت أدوات التحديث لبناء دولة عصرية قادرة على مواكبة المتغيرات الإقليمية والدولية وهو ما منحها هويتها المميزة وثباتها وسط التحولات العاصفة التي مرت بها المنطقة والعالم.
وأكسب الإسلام هو الذي هو أساس الحكم والتشريع وخدمة الحرمين الشريفين هذه البلاد العظيمة مكانة في العالم الإسلامي وظل المجتمع السعودي بتمسكه بعاداته وتقاليده العربية الأصيلة موضع تقدير واحترام العالم بأسره. فالكرم، والشجاعة، والوفاء. توشح بها السعوديين على مر السنين. وقد شكل هذا التوازن بين الأصالة والمعاصرة ركيزة أساسيه في مسيرة الدولة.
وجاءت المعاصرة في التنمية والتطور بإنشاء المدارس والجامعات الحديثة، والانفتاح على العلوم والتقنية وبرامج الابتعاث التي أسهمت في بناء جيل متعلم وطموح. واستثمرت الدولة أعزها الله في النفط وتحويله إلى ركيزة اقتصادية فمشاريع التنمية العملاقة من طرق ومطارات، ومدن طبية، ومدن حديثة خير شاهد على هذا. ثم جاءت رؤية السعودية الطموحة لتنويع مصادر الدخل عبر الاستثمار في السياحة، الطاقة المتجددة، والتقنية، فمشاريع نيوم والقدية تمثل وجهاً جديداً للمعاصرة السعودية. والتوازن بين الأصالة والمعاصرة هو ديدن الدولة وهذا ما يؤكده سيدي سموَّ وليَّ العهد حفظه الله في خطاباته الملكية دائمًا وأبدًا.
فالمملكة استطاعت أن تقدم نموذجاً فريداً يجمع بين الحفاظ على القيم الإسلامية والعربية من جهة، والسير بخطوات ثابتة نحو التقدم العلمي والتقني من جهة أخرى. ولعل إحياء الدرعية التاريخية كمركز تراثي عالمي، إلى جانب بناء مدن ذكية كـنيوم. والاحتفالات الوطنية التي تجمع بين رموز الماضي (الزي، الشعر، الفنون التراثية) ومظاهر الحاضر (العروض الحديثة، التقنيات الرقمية) خير مثال على ذلك.
إن اليوم الوطني المجيد ليس مجرد استعادة لحدث مضى، بل هو تجديد للعهد بين الأجيال لمواصلة المسيرة التي جمعت بين عبق الأصالة وروح المعاصرة. فقد أثبتت التجربة السعودية أن الجمع بين الأصالة والمعاصرة ليس تناقضا، بل هو معادله متكاملة. فالأصالة تمنح الثبات والهوية، والمعاصرة تفتح افاق التقدم والازدهار.
حفظَ اللهُ الملك سلمان بن عبدالعزيز، وسموَّ وليَّ عهده، وحفظ الله الوطن، وأدام عليه نعمة الأمن والأمان، وزاده رفعةً ومجدًا بين الأمم.