|

اليوم الوطني 95: وحدةٌ تتجدد، ومجدٌ يتألق

الكاتب : الحدث 2025-09-22 09:33:45

بقلم:حسن بن محمد المباركي
———————————————

كل وطن له ذكرى، غير أن ذكرى المملكة العربية السعودية ذكرى فريدة ومجيدة، ممتدة من أعماق التاريخ إلى آفاق المستقبل، تجمع بين الماضي والحاضر، وتستشرف الغد المشرق. 

ففي أرضٍ باركها الله بالوحي، وتفيّأتْ ظلال الرسالة، وارتفعتْ فوق رمالها راية التوحيد، ولدتِ الحكاية العظمى، حكاية وطن لم يكن مجرد تجمّع بشري، بل كان مشروعًا ربانيًّا غُرس في القلوب قبل أن يرسو على الأرض، فصار موئلًا للعز، ومنارة للنهضة، ومركزًا للإشعاع الحضاري. 

وعند مطلع فجرٍ بعيد من أعوام مضت، ارتفع صوت  الملك المؤسس عبد العزيز–طيب الله ثراه–يدوِّي في الصحراء: "لن يجتمع هذا الشتات إلا تحت راية التوحيد". ومن تلك اللحظة المشرقة انطلقت حكاية وطن، حكاية لم تبدأ بحدودٍ جغرافية، بل بدأت بقلوبٍ آمنت، وسواعدٍ عملت، وأرضٍ  لنداء الوحدة استجابت، فامتدت لتصنع للأجيال حاضرًا مشرقًا، ومستقبلاً واعدًا.

 وفي رحاب هذه البدايات العظيمة، تشكّلت أركان الدولة وتأسيسها، وارتسمت معالمها، لتصبح المملكة العربية السعودية نموذجًا للتلاحم والوحدة، وعنوانًا للثبات على المبادئ والقيم، وسجلًا حافلًا بالعزيمة والإصرار، الذي صنع التاريخ، ورفع راية المجد عالية في سماء الأمة.

لم تكن قصة الوطن مجرد أحداث سياسية أو تحولات زمنية، بل كانت ملحمة إنسانية كبرى، صاغتها دماء الأبطال، وصبر الرجال، وعزيمة القادة، وإيمان شعب التحم بقيادته، حتى صنع أعظم وحدة في العصر الحديث. 

واليوم، ونحن نحتفي بالذكرى الخامسة والتسعين لتوحيد المملكة، فإننا لا نحتفل برقم يضاف إلى صفحات الأيام، بل نحتفل بذاكرة متجددة، وهوية متجذرة، وروح متألقة، ومستقبل يتسع لأحلام الأجيال القادمة. وفي هذه المناسبة يتجلى شعار الذكرى "عزنا بطبعنا"، ليجسد روح الانتماء والفخر بالهوية.

 إن اليوم الوطني السعودي ليس مناسبة عارضة، ولا مهرجانًا زمنيًّا ينتهي بانقضاء لحظاته، بل هو مناسبة تتجدد فيها معاني الولاء والانتماء، وتتوهج فيها جذوة العزيمة والعطاء، ويقف فيها كل مواطن أمام مرآة التاريخ ليرى نفسه امتدادًا لأولئك الأبطال، الذين وحَّدوا الصفوف، وصاغوا هوية وطن يعتز به كل مواطن، ويباهي به بين كل الأوطان  وعلى مر العصور والزمان.

إنه يومٌ تتلاقى فيه قيم التضحية والإخلاص مع صفحات المجد، فتتوقد العزيمة من جديد، وتتعزز روح الوحدة خلف قيادة حكيمة، جعلت من الطموحات واقعًا، ومن الرؤى مشاريع حية نابضة بالإنجاز.

واليوم، ونحن نعيش زمن التحول العظيم بقيادة خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز –حفظه الله–وسمو ولي عهده الأمين الأمير محمد بن سلمان–أيّده الله– نشهد أن المملكة قد دخلت مرحلة تاريخية فارقة، تقودها رؤية السعودية 2030، تلك الرؤية التي فتحت آفاقًا واسعة للتنمية الشاملة، ودفعت بعجلة الاقتصاد إلى التنويع والاستدامة، وأطلقت طاقات الشباب في ميادين العلم، والتقنية، والابتكار، والرياضة، والثقافة، حتى غدت المملكة نموذجًا عالميًّا يحتذى به في النهضة والتنمية.

 وما شعارُ اليوم الوطني الخامس والتسعين “عزّنا بطبعنا” إلا تجسيدٌ حيٌّ لروح الانتماء والفخر بالهوية، فهو ليس شعارًا لفظيًّا عارضًا، بل صورة صادقة لأصالة راسخة في النفوس، ولطبع كريم متوارث، ولشجاعة ووفاء وعزيمة لا تلين. 

إن هذا الشعار رسالة تقول للعالم إن المملكة لم تُبْنَ على لحظة طارئة، ولا على مجدٍ عابر، وإنما بُنيت على جذور ضاربة في أعماق التاريخ، وعلى مبادئ ثابتة وقيم متجددة، تغرس في الأجيال روح التضحية والولاء، وتجعل من كل مواطن جنديًّا في مسيرة العطاء والبناء.

وفي هذا اليوم الوطني المشرق، ينبض قلب كل سعودي بحب وطنه، ويرى فيه البيت الكبير الذي يضم الجميع، والحصن المنيع الذي يحفظ الهوية، والميدان الرحب الذي يرسم فيه مستقبل الأجيال. 

إن اليوم الوطني يومٌ تتجدد فيه قيم التضامن والتكافل، ويجدد فيه المواطنون عهد الولاء والطاعة، ويعاهدون وطنهم على أن يظلوا أوفياء، باذلين الغالي والنفيس في سبيل رفعته وكرامته وعزته. 

ولعل أجمل ما يميز هذه الذكرى المجيدة، أنها تُظهر تلاحم القيادة بالشعب، فالقائد يرى في شعبه مصدر القوة، والشعب يرى في قيادته ملاذ الأمان، ومن هذا التلاحم ولدت نهضة فريدة، ورسخت المملكة مكانتها كونها قوة إقليمية وعالمية، تبني الجسور، وتقود المبادرات، وتدعو إلى السلام والاستقرار.

إن اليوم الوطني السعودي الخامس والتسعين، ليس مجرد تاريخ على ورق، بل هو حكاية أمة آمنت بالله، ووثقت بقيادتها، وتمسَّكت بعزيمتها، حتى صنعت معجزة التوحيد والتنمية. 

ومع كل عام يمضي يزداد هذا الوطن مجدًا وقوة، وتتجدد فيه معاني الفخر والاعتزاز، ويظل يومه الوطني منارة تضيء دروب الأجيال، وتوجه الطاقات نحو مستقبل أكثر إشراقًا وازدهارًا.
 
إن حب الوطن شعور يتجاوز الكلمات، وإخلاص وعطاء لا تفيه العبارات. فالوطن هو الذي يرفعنا فوق الصعاب، ويجمعنا في لحظة الفخر فوق هام السحاب.

سائلين الله أن يحفظ المملكة وولاة أمرها، ويديم عليها الأمن والإيمان والرخاء، ويجعلها دار عز وتمكين، ويرفع راية التوحيد عالية خفّاقة بالعز والمجد، ويوفق أبناءَها وبناتَها لكل ما فيه خير البلاد والعباد.