البحث العلمي جسر السلام والتنمية المستدامة
بقلم - د. بجاد بن خلف البديري
دور البحث العلمي لا يقتصر على كونه مجرد وسيلة لاكتشاف المعرفة وتطوير التكنولوجيا، وإنما يمتد تأثيره ليصبح أداة قوية لتعزيز السلام وتحقيق التنمية المستدامة في العالم، فالعلاقة بين البحث العلمي وهذين المفهومين ليست مجرد علاقة عابرة، إنما هي علاقة تكاملية تُسهم في بناء مجتمعات أكثر عدلاً واستقرارًا وازدهارًا.
يُعدّ البحث العلمي وسيلة فعالة لحل النزاعات وفهم الأسباب الجذرية للصراعات، فعندما يوجه العلماء أبحاثهم لفهم العوامل الاجتماعية والاقتصادية والبيئية التي تؤدي إلى التوترات، فإنهم يقدمون رؤى قائمة على الأدلة يمكن أن تُساعد صانعي السياسات على اتخاذ قرارات أكثر حكمة. على سبيل المثال، يمكن للأبحاث في مجال العلوم الاجتماعية أن تكشف عن ديناميكيات التمييز والظلم، مما يُمكن من وضع برامج تهدف إلى تحقيق المساواة والاندماج الاجتماعي. كما أن الأبحاث في مجالات مثل الأمن السيبراني والأمن الغذائي والمائي يمكن أن تُسهم في منع الصراعات المستقبلية من خلال توفير حلول مبتكرة للمشكلات التي تُهدد استقرار الدول.
ترتبط التنمية المستدامة ارتباطًا وثيقًا بالبحث العلمي، فهي تسعى إلى تحقيق التوازن بين الاحتياجات الاقتصادية والاجتماعية والبيئية للأجيال الحالية والمستقبلية، ولن يتحقق هذا الهدف دون الابتكار العلمي والتكنولوجي، فالأبحاث في مجال الطاقة المتجددة، مثل الطاقة الشمسية وطاقة الرياح، تُقدم بدائل نظيفة للوقود الأحفوري، مما يُسهم في مكافحة تغير المناخ، وتُسهم الأبحاث في الزراعة الذكية في زيادة الإنتاجية وتحسين الأمن الغذائي، بينما تُقدم الأبحاث الطبية حلولًا للأمراض التي تُهدد حياة الملايين. إن كل هدف من أهداف التنمية المستدامة الـ 17 التي وضعتها الأمم المتحدة يعتمد بشكل أساسي على مخرجات البحث العلمي والابتكار.
علاوة على ذلك، يُعتبر التعاون الدولي في البحث العلمي والابتكار بحد ذاته وسيلة لبناء السلام. فعندما يعمل باحثون من دول مختلفة على مشروع مشترك، فإنهم يتبادلون المعرفة والخبرات، مما يُعزز التفاهم والثقة المتبادلة بينهم. هذه الشراكات العابرة للحدود تكسر الحواجز الثقافية والسياسية، وتشكل نموذجًا للمنطق العلمي والحوار العملي المثمر، وبذلك يصبح الاستثمار في البحث العلمي والابتكار استثماراً في مستقبل أكثر سلامًا واستدامة للبشرية جمعاء.