|

"لا تقتلوا أبناءكم"

الكاتب : الحدث 2025-09-14 08:51:52

بقلم ــ محمد بن عبدالله العتيق 


قد يبدو العنوان صادمًا، بل قد يظنه البعض ضربًا من المبالغة. ولكن نعم، قد يقتل الإنسان أبناءه، ليس بسكين، ولا بسلاح، بل بهاتف ذكي وعدسة كاميرا وشغف محموم بالتوثيق والنشر. قد يقتلهم بجهله، بحماسه، برغبته في الظهور، دون أن يشعر أن ما يفعله هو انكشاف غير مشروع، وسقوط في فخ الافتتان الذي لا يرحم.

ما الذي يدفعك لأن تجعل ابنك محط الأنظار في كل حين؟ ما الذي يجبرك أن تنقله من حضن الأمان إلى مهب السوشال ميديا؟ تجعله يستعرض خطواته، ضحكاته، ملامحه، هداياه، أكله ولبسه وكلماته البريئة؟ لماذا ترمي به أمام ملايين لا تعرفهم، لا تعرف نواياهم، ولا قلوبهم، ولا ما تخفيه صدورهم؟ هل جربت أن تسأل نفسك: هل هذا الأمان؟ هل هذه الحماية؟

ثم إذا أصيب الطفل بعين أو سقم أو توتر أو تبدلت حالته النفسية، جلس الأبوان في حيرة يتساءلان: ما السبب؟ من أين جاء هذا البلاء؟ والجواب قريب، لكنه موجع: أنتما السبب. أنتما من كشف الغطاء، وأزلتما الستر، وأهديتما الطفل لأعين لا ترحم، ولسنة لا تتوقف عن الهمز واللمز والحسد المبطّن.


الابن ليس ملكًا خاصًا لك تتصرف به كيف تشاء. هو أمانة، وهو امتداد، وهو كيان مستقل يجب أن تُحسن إليه، لا أن تدفع به في كل مناسبة إلى منصة العرض العام. حين تقول: "ابني وأنا حر"، فاعلم أن حريتك تتوقف عند أول أذى قد يصيبه، وعند أول عارض يُفقده اتزانه، أو يُغيّر مجرى حياته.

أرجو أن نعي حجم هذا الخطر، وأن يُحاط الطفل بسياج من الحنان والحذر، لا أن يتحوّل إلى "ترند" في مقاطع متكررة، حتى تبهت روحه وتضعف طاقته. وددت – من حرقة القلب – أن يصدر نظام حازم يردع كل من يعرض أبناءه دون ضرورة حقيقية، ولا فائدة تربوية، ولا وعي مجتمعي.

رفقًا بأبنائكم.. لا تقتلوهم بجهلكم، ولا تعرضوهم لرياح لا ترحم. اجعلوا طفولتَهم حقيقية، لا افتراضية. واحفظوا البراءة في مكانها، قبل أن تستفيقوا على وجع لا دواء له.