الإساءة للزوجة ذنب لا يغتفر ..

بقلم ــ علي بن أحمد الزبيدي
----------------------
الحياة الزوجية في الإسلام ليست مجرد عقدٍ مادي، بل هي رابطةٌ روحية وأخلاقية قائمة على المودة والرحمة، يقول تعالى : ﴿وَعَاشِرُوهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ﴾ (النساء: 19)، والزواج في الإسلام ميثاق غليظ قائم على المودة والرحمة ، قال تعالى: *﴿وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُمْ مِنْ أَنْفُسِكُمْ أَزْوَاجًا لِتَسْكُنُوا إِلَيْهَا وَجَعَلَ بَيْنَكُمْ مَوَدَّةً وَرَحْمَةً﴾ (الروم: 21) لكن حين تتحول المعاملة إلى استبداد أو إهانة أو إهمال أو عنف، تتحول الحياة الزوجية إلى جحيم يُذيب السكينة، ويُفكك أواصر الأسرة ، بل وتتحول الأسرة من مَرفأ أمان إلى ساحة حرب تُذيب المشاعر ، وتُهدم القيم ، ويتحول الحب إلى استبداد من خلال الإساءة للزوجة سواء كانت لفظيةً أو جسديةً أو عاطفية ، وهي جريمةٌ لا تُدمر كرامة المرأة فحسب، بل تُشوِّه صورة الزواج في الإسلام ، وقد حذر الله من الظلم في حق الزوجة: ﴿وَلَا تُضَارُّوهُنَّ لِتُضَيِّقُوا عَلَيْهِنَّ﴾ (الطلاق: 6)، فالتضييق عليها بالكلمات الجارحة أو الحرمان العاطفي يناقض روح العدل التي أمر بها الله. بل إن النبي - صلى الله عليه وسلم- جعل معاملة الزوجة مقياساً لإيمان الرجل : «أكمل المؤمنين إيماناً أحسنهم خُلقاً، وخياركم خياركم لنسائهم»* (رواه الترمذي) ، الزوجة التي تعيش تحت وطأة الإهانة تفقد ثقتها بنفسها ، وقد تُصاب بأمراض نفسية كالاكتئاب والقلق، مما ينعكس سلبًا على تربية الأبناء واستقرار الأسرة ، ويؤكد علماء الاجتماع أن الأبناء الذين ينشأون في بيئة مليئة بالصراعات غالبًا ما يُعانون من اضطرابات سلوكية، فإهمال الزوجة وإساءة معاملتها نارٌ تلتهم الجميع ، عكس ذلك، حين يُحسن الزوج معاملة زوجته، تتحول الحياة إلى جنةٍ مصغرة. يقول الشاعر :
أحسن إلى الناس تستعبد قلوبهمُ
فطالما استعبد الإنسانَ إحسانُ ..
وهذا ما حثَّ عليه النبي صلى الله عليه وسلم بقوله:«استوصوا بالنساء خيراً، فإنهنَّ عوانٍ عندكم»(رواه الترمذي)، أي أن الزوجة أمانةٌ يجب رعايتها باللين والاحترام. فالقبلة الحانية، والكلمة الطيبة، والتفاهم في الخلافات، كلها تُذكّي نار المودة، كما في قصة الصحابي الذي سأل النبي: ما حق الزوجة؟ فقال:«أن تطعمها إذا طعمت، وتكسوها إذا اكتسيت، ولا تضرب الوجه، ولا تقبح» (رواه أبو داود) ،
يشبّه القرآن المعاملة السيئة بالظلم الذي يُحاسب عليه المرء يوم القيامة: ﴿وَالَّذِينَ يُؤْذُونَ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ بِغَيْرِ مَا اكْتَسَبُوا فَقَدِ احْتَمَلُوا بُهْتَانًا وَإِثْمًا مُبِينًا﴾ (الأحزاب: 58) ،
والزواج الناجح ليس خاليًا من الخلافات، لكنه قائم على إدارة الخلافات باحترام ، المعاملة السيئة تُحوّل الحب إلى كراهية، أما الحسنة فتبني جسرًا من الذكريات الجميلة. وكما قال النبي صلى الله عليه وسلم: «لا يفرك مؤمن مؤمنة، إن كره منها خلقًا رضي آخر» (رواه مسلم) ، فليكن زواجكم قصيدةَ حبٍ تُخلَّدها الأجيال :
حسنُ المعاملةِ يُبقي الودَّ نضرًا
والجهلُ يُفني كالريحِ العاتيةِ الزهرا ..
(همسة الختام) :
يهرع البعض لنصائح الغرب كي يحافظ على بيت الزوجية فتتلاطمه الأمواج وقد تغرق مركبه، ولو أنّه اقتفى سيرة النبي - صلى الله عليه وسلم - لوجد فيها منهاجًا ودليلاً ناجعاً لكل باحث عن حياة زوجية سعيدة ، ولتحولت بيوتنا إلى نعيم دنيوي .