تغيرنا ولا ما تغيرنا ..؟!
د/ سلمان الغريبي
----------------------
ضغوط الحياة جعلتنا أشخاص آخرين؛ وكأننا من كوكب كئيب آخر لاصلة له بنا، من بعد ما كنا مُتحابين و دائمًا على الخير مُجتمعين، أصبحنا في كثيرٍ من الأحيان لا نطيق بعضنا البعض، وتستفزنا أتفه الكلمات و العبارات من أتفه الناس و أحقرهم، وتغضبنا أبسط المواقف من أعز الناس، فكثرت القضايا في أروقة المحاكم وبالتالي كثر المحامين و المحاميات، فانتشرت مكاتبهم في كل شارع وحارة وسكه، نعم تغيرنا؛ وتغير كل شيءٍ فينا، و كل يصدر منا، و أصبح كل واحدٍ مِنا يعيش في عالم مستقل، له واقعه الخاص به مهما، مؤلمًا و تعيسًا كان، أو طيبًا وسعيدًا، ولا يريد أن يُشرِك أحدًا معه فيما هو فيه! بخلاف -زمان أول- الذي تحول فجئةً وصار اليوم شيء آخر لم نكن نتوقعه، زمن كان الجميع يتشاركون كأُسرةٍ واحدة بُكل حُبٍ وألفةٍ، في الحلوة والمُرة، بقلوب صافيةٍ نقية، بيضاء كبياض الثلج في عِزّ الشتاء، فتغير هذا الزمان بتغير لمجتمع، نحن السبب الرئيسي في هذا التغيّر، فتغير الزمان هو جزء لا يتجزأ من حياة البشرية ونحن فيها الأساس، يقول تعالى في سورة الرعد : (إِنَّ ٱللَّهَ لَا يُغَيِّرُ مَا بِقَوۡمٍ حَتَّىٰ يُغَيِّرُواْ مَا بِأَنفُسِهِمۡۗ وَإِذَآ أَرَادَ ٱللَّهُ بِقَوۡمٖ سُوٓءٗا فَلَا مَرَدَّ لَهُۥۚ وَمَا لَهُم مِّن دُونِهِۦ مِن وَالٍ) صدق الله العظيم، و كذلك أيضًا تغيرت بعض من العادات، التقاليد والقيم الاجتماعية، حسب نمط الحياة مع مرور الوقت، مما إلى زيادة المشاكل بين الأفراد والأُسر، فأثّرَ سلبًا على العلاقات الإنسانية بينهم، وخصوصاً بين الأقارب؛ بسبب تغير في هذه القيم والمعتقدات و الإحتياجات، حيث أصبح الفرد يركز على مصالحه الشخصية فقط، ولا يهتم بأحدٍ مهما كان قريبًا أو بعيدًا، الذي أدي إلى التوتر في العلاقات والخلافات بين الأقارب، كما أن ضغط الحياة الحديثة وتزايد الإلتزامات المادية ساهم في تفاقم هذه المشاكل، ومنها على سبيل المثال لا الحصر قطع الأرحام، و أهمها عقوق الوالدين، فقد إزدادت في الآونة الأخيرة بصورة مُلفتة للنظر، و يعود ذلك إلى تغيّر بعض من مفاهيم القيم و الثقافة، حيث أصبح الشباب يفتقر إلى الإحترام و التقدير للكبار، مع ضغوط الحياة و تزايد الإلتزامات المادية و الاجتماعية عليهم، مما ساهم و بصورة واضحة في زيادة هذه الحالات، كما كان لإستغلال الحريات بصورةٍ مُفرطةٍ أيضًا النصيب في تزايد في هذا التغيّر نتيجة، لتحرر الفرد و توسيع نطاق حريته، و ذلك بدون تقدير للقيَم والإحترام للآخرين، مما أدى ذلك إلى زيادة السلوكيات السلبية، والتباعد بين الأقارب و تفكك المجتمعات، أهم أسباب هذا التغيّرات، تأثير التكنولوجيا التي غيرت الطريقة التي يتواصل بها الأفراد بين بعضهم البعض و كيفية تفاعلهم معها، كذلك التغيرّات الإقتصادية التي أدت إلى زيادة الضغط و التوتر على الأفراد، و لا شك أن الإعلام ساهم في تغيّر القيم و الثقافة بصورة سريعة في المجتمع، و كذلك التغيّرات الإجتماعية التي أدت إلى تغيّر العلاقات بين الأفراد والمجتمعات، و للتغلب على هذه المشاكل يجب علينا تعزيز القيَم و الثقافة التي تؤكد على الاحترام والتعاون بين الجميع، و تعزز التواصل بين الأفراد والأسرة في المجتمع الواحد، وتوفير الدعم النفسي والاجتماعي للأفراد؛ لتعزيز التربية التي تؤكد على القيم والعادات والإحترام بين الجميع و السيطرة على تأثير الإعلام وتسخيره لتعزيز القيم الإيجابية في المجتمع .
[الخلاصة] :
تغير المجتمع له تأثيرات إيجابية وسلبية، فمن المهم تحسين العلاقات بين الأفراد والأسرة، و العمل بناء مجتمع أكثر إيجابية وتعاون، للخروج بأمان من هذه التغيّرات التي طرأت علينا، يقول الشافعي :
نَعيبُ زَمانَنا وَالعَيبُ فينا ..
وَما لِزَمانِنا عَيبٌ سِوانا
وَنَهجو ذا الزَمانِ بِغَيرِ ذَنبٍ ..
وَلَو نَطَقَ الزَمانُ لَنا هَجانا
وَلَيسَ الذِئبُ يَأكُلُ لَحمَ ذِئبٍ ..
وَيَأكُلُ بَعضُنا بَعضًا عَيانا .