﴿ قَدْ جَعَلَهَا رَبِّي حَقًّا ﴾
بقلم🖋️نهاد فاروق قدسي
في كل مرةٍ أقرأُ قوله تعالى: ﴿ يَأْتِ بِهَا اللَّهُ ۚإِنَّ اللَّهَ لَطِيفٌ خَبِيرٌ ﴾ ، أشعر بالراحة والسكينة .. والثبات والطمأنينة ..
كثيرةٌ هي المواقف التي تمرُّ بنا في حياتنا ، و تُشْعِرُنا بمدى عجزنا وضعفنا أمامها .. فالحياة مليئةٌ بالانكسارات والخيبات .. ممتلئة بالأوجاع .. مُتخمةٌ بالآهات .. لا تصفو دومًا لأحدٍ من البشر .. ولا تستقيم على حالٍ هانئ دائمًا .. لا أمان من تقلُّباتها و مُنغِّصَّاتها أبدًا .. ولا مفرّ من لحظات الضعف والانهزام بها ..
فقدانُ شغف .. جرح ٌ و نزف .. ندمٌ و أسف .. انطفاءٌ بعد توهج .. شعورٌ متأجج .. كابوسٌ مزعج .. مشاعرٌ شتّى .. أجهدٌ ضاع سدى؟! أحياةٌ هكذا بلا معنى؟!
حقًا إنها لَمشاعرٌ ثكلى .. تجعل الألم يستوطن كياننا .. أرواحنا .. أجسادنا .. يتسرب اليأس إلى ذواتنا .. نجد أنفسنا نسير بعكاز العجز في دهاليز البؤس والقهر .. نصبر تارةً .. ولا نقوى على تحمل آلامها تارةً أخرى ..
ولكن كانت الطَّمأنينة الوحيدة لنا هي يقيننا بأنَّ اللهَ لا يُعجزهُ شيءٌ في الأرضِ ولا في السَّماء .. وهُنا ترفع الأقلام وتجفُّ الصحف .. لذا سنصبر لحكم ربنا على كل مالم نحِط به خُبرًا .. حسبنا أنه معنا يسمع و يرى ﴿ قَالَ لَا تَخَافَاۖ إِنَّنِي مَعَكُمَا أَسْمَعُ وَأَرَىٰ﴾ .. حسبنا أنه لن يدعنا نضل ونهوى .. سنصبر ونحتسب وحتمًا سنظفر ونصِل .. سنضع أمانينا بين يديه سبحانه ونحن نعلم بأنه سيأتينا بالأجمل .. سنوكل إليه هشاشة الشعور .. سنوكل إليه ضيق الصدور .. ونحن متيقنين بأنه لم يحدِث لنا أمرًا إلا لخير .. وما حرمنا إلا ليعطينا الخير .. وماأعطانا إلا ليرزقنا الرضا ، وما أرضانا إلا ليجبرنا .. و نحن من شدة الرضا وقعنا له ساجدين .. فرحين .. مُرددين ﴿ قَدْ جَعَلَهَا رَبِّي حَقًّاۖ ﴾..
نعم قد يطول حزننا ، بل وقد تبيَّض أعيننا من الحزن .. وقد يمسُّ قلوبنا شيئًا من نصب الحياة وقسوتها .. ونظنُّ بأمانينا الفوت ..
نعم قد تطول استجابة دعوةٍ ما طالما تمنيناها .. وظننا أنها لن تُستجاب .. حتى أننا نسيناها في ظلمة الإحباط والخيبة .. ومضينا في الحياة بلا أمل أو رجاء .. ولكن نعلم يقينًا بأن الله لم ينسَها أبدًا ﴿ وَمَا كَانَ رَبُّكَ نَسِيًّا ﴾ ، فعوض الله آتٍ لا محالة .. ولن نستصعب حاجاتنا مع الله مهما عظُمت .. وستأتي أمنياتنا في وقتٍ لا نتوقعه ، وتكون واقعًا جميلاً متحققًا .. وسيقدِّر الله لنا أقدارًا أعجوبةً ينبهر منها أهل السماوات وأهل الأرض ، و مهما ضاقت بنا السُبُل، وأظلمت علينا الطرقات، سيُضيء الله لنا بقبسٍ من نور ، و سيزول كل مافي قلوبنا من غصّةٍ وفتور ، ولن نيأس فَـ نور الله أقوى من كل عتمةٍ و ديْجور ..
يأتي بها مثل ما نريد بل وأفضل مما نريد ..
﴿ يابُنَيَّ إِنَّهَا إِن تَكُ مِثْقَالَ حَبَّةٍ مِّنْ خَرْدَلٍ فَتَكُن فِي صَخْرَةٍ أَوْ فِي السَّمَاوَاتِ أَوْ فِي الْأَرْضِ يَأْتِ بِهَا اللَّهُ ۚ إِنَّ اللَّهَ لَطِيفٌ خَبِيرٌ ﴾..
والذي نفسي بيده ، أن الذي أنقذ برحمته يونس من بطن الحوت .. و نجّى بقدرته موسى بالتابوت .. و حمى بعظمته حبيبه محمد وصاحبه بخيوط العنكبوت .. فهو قادرٌ أيضًا على أن ينزع همومنا .. ويجبر كسرنا .. ويحقق أمنياتنا .. ويمنحنا شعور سيدنا موسى عليه السلام حينما جاءه الجبر الإلهي من السماء منهمرًا فيّاضًا ﴿ قَد أُوتيِتَ سُؤلكَ يا مُوسَى ﴾ ..