|

هيا بنا الى الجهاد...

الكاتب : ابراهيم خضير 2021-03-16 01:16:29

الحمدلله كما ينبغي لوجهه الكريم وعظيم سلطانه القديم ثم الصلاة والسلام على أشرف الأنبياء والمرسلين سيدنا ونبينا محمداً صلى الله عليه وسلم الذي ارسله الله بشيراً ونذيراً ورحمة للعالمين  وبعد ؛ 
‎يُعدّ جِهاد العبد لهواه أعظم أثراً من جِهاد المرء لأعدائه وأبلغَ منه؛ حيث إنّ الجِهاد الذي يتمثّل في مواجهة الكُفّار ومدافعَتهم هو في الواقع أقلُّ خطورةً من مُجاهَدة المسلم لما يتنازعه من أهواءٍ تتمثّل في حبّ الدُّنيا وملذّاتها ومُغرَياتها، ممّا قد يؤدي به إلى الهلاك، والانتقال من استحقاق الجنّة إلى استحقاق عذاب الله وسَخَطه، وقد قال المصطفى -صلّى الله عليه وسلّم- في فضل من يدافع هواه ويُجاهدُه: (لا يؤمنُ أحدُكم حتَّى يَكونَ هواهُ تبعاً لِما جِئْتُ بِهِ)،[١] فقد نفى النبيّ -صلّى الله عليه وسلّم- صفة الإيمان عمّن تبِع هواه ولم يُجاهد نفسه، ونسبها لمَن يُوافق هواه ما جاء به النبيّ -صلّى الله عليه وسلّم- من حبِّ الآخرة، والإقبال عليها، والإدبار عن الدُّنيا.
ونقصد بجِهاد النّفس: بذل الوُسع والطّاقة في شتّى الأمور التي تختصّ بالنّفس البشريّة، وإبعادها عن المعاصي والذّنوب، ومُدافعَتها للصّبر على الطّاعات، وتحمُّل المشاقّ النّفسيّة والمعنويّة لذلك.
وقد فسر عبدالله بن المبارك قوله { حق جهاده } في قول الله تعالى ( وَجَاهِدُوا فِي اللَّهِ حَقَّ جِهَادِهِ ۚ هُوَ اجْتَبَاكُمْ وَمَا جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ ۚ مِّلَّةَ أَبِيكُمْ إِبْرَاهِيمَ ۚ هُوَ سَمَّاكُمُ الْمُسْلِمِينَ مِن قَبْلُ وَفِي هَٰذَا لِيَكُونَ الرَّسُولُ شَهِيدًا عَلَيْكُمْ وَتَكُونُوا شُهَدَاءَ عَلَى النَّاسِ ۚ فَأَقِيمُوا الصَّلَاةَ وَآتُوا الزَّكَاةَ وَاعْتَصِمُوا بِاللَّهِ هُوَ مَوْلَاكُمْ ۖ فَنِعْمَ الْمَوْلَىٰ وَنِعْمَ النَّصِيرُ ).
أي بجهاد النفس والهوى ، فيجاهد الانسان نفسه والهوى ليسلم قلبه ولسانه وجوارحه لله وبالله لا لنفسه ولا بنفسه وكما قال النبي صلى الله عليه وسلم ( المجاهد من جاهد نفسه في ذات الله ، والمهاجر من هجر مانهى الله عنه ). لذا كان جهاد النفس مقدماً على جهاد العدو في الخارج وأصلاً له ، فانه مالم يجاهد نفسه اولاً ، ليفعل ما اُمر به ويترك مانُهي عنه ويحاربها في الله ،  لايمكنه جهاد عدوه في الخارج ، والانتصار عليه ، وكيف يمكنه جهاد عدوه والانتصاف منه ، وعدوه الذي بين جنبيه قاهر له ، متسلط عليه ، لم يجاهده ، ولم يحاربه في الله ، بل لا يمكنه الخروج الى عدوه حتى يجاهد نفسه أولاً ، والجهاد في سبيل لا بد ان يبتدئ بـ ( مجاهدة النفس ) بتخليصها من الاهواء والشهوات واتجاهها الى الحق في ذاته ، والى الواجب في ذاته ، لاحباً في شهرة ولا رغبة في متعه ولا رجاء اي من شئون الدنيا ، وقد جعل العلماء لجِهاد النّفس مراتبَ وأنواعاً، ولكلّ نوعٍ منها طريقته وكيفيّته الخاصّة، فمنها ما يكون بـ ( مجاهدة الهوى )، ومنها ما يكون بـ ( مجاهدة أهل المعاصي )، والبُعد عنهم، وعدم الرّكون إليهم، أو ( طلب العلم )  والصّبر على مشاقّه، فمثلاً الجِهاد بطلب العِلم يعني أنْ يُجاهد المسلم نفسَه لتحمُّل مشاقّ الحصول على العلوم بأنواعها، ويسعى إلى طلبها، ويبذل كلّ ما في وسعه لأجل ذلك، وأهمّ ما يتعلّمه المسلم هو أمور دينه حلالها، وحرامها، وقراءة القرآن وأحكامه، وتعلّم الحديث ، صحيحه، وضعيفه، وموضوعه، وتعلّم أحكام الإسلام بتفصيلاتها، ويشتمل طلب العلم تحصيل المسلم كلّ ما ينفعه في دينه ودنياه بقدر ما بستطيع من العلوم التي لا بُدّ منها لاستمرار الحياة وبقائها، على أن يكون تعلُّمها ممّا أجازه الشّرع ولم يُحرِّمه ، ومثله الجِهاد بالعمل ، يعني أن يبذل المسلم الجهد في إدراك الغاية التي أوجده الله لأجلها وهي العبادة، ويكون ذلك بالقيام بما أمره الله بالقيام به من الصّلاة، والزّكاة، والحجّ، وغير ذلك من الأمور العمليّة التي يكون القصد منها التقرّب إلى الله تعالى، ومن ضمن تلك الأعمال أن يسعى المسلم إلى تحصيل رزقه ورزق عياله للتّقوِّي على العبادات، أو توفير الكِفاية له ولأسرته لذلك سُمِّيت أحكامُ الشّرع تكاليفَ حيث إنّ الوصول إليها لا يُدرَك إلا ببَذل الجهد والطّاقة والوقت، وقد قال سبحانه وتعالى: (لاَ يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلاَّ وُسْعَهَا)، فالله -عزَّ وجلَّ- لم يُكلِّف عباده بالعمل إلا بما يُعادل قدرتهم ومقدار تحمُّلهم ، ولهذا أسقط الله -عزّ وجلّ- التّكليف عن كلّ مَن يجد المشقّة في بعض الأعمال الشرعيّة، ومن هنا جاء باب الرّخص، الذي يقوم على أن يترك المسلم بعض الواجبات أو يؤجِّلها إن كانت هناك مشقّة زائدة عن طاقته في فِعلها، فجاز لمَن كان به مرضٌ أو عِلّة أن يُصلّي قاعداً بدل أن يصلّي قائماً، وجاز له كذلك أن يفطر في نهار رمضان إن خشِي على نفسه الهلاك، وجاز للحائض والنّفساء ترك الصّلاة، والصّيام، وغير ذلك ، أيضاً الجِهاد بالدّعوة إلى الله وتحمُّل مشاقّها يجب على كلّ مسلمٍ أن يُبادر إلى الدّعوة إلى الله بما تحصَّل له من العلوم ولو كان ذلك قليلاً؛ لقوله -صلّى الله عليه وسلّم- في الصّحيح: (بَلِّغُوا عَنِّي وَلَوْ آيَةً) فالمسلم مُكلَّف بالدّعوة إلى الله بالحكمة والموعظة الحسنة، ويجب على الدّاعية أن يصبر على الدّعوة إن اختارها طريقاً له، كما يجب عليه الصّبر على ما يجده فيها من مشاقَّ، ومعاناةٍ، وتكذيبٍ وصدٍّ من الناس، كما صبر النبيّ -صلّى الله عليه وسلّم- وأصحابه ، عندها يكون قدوة للجندي المسلم الحق ، والمؤمن التقي النقي والنصر على العدو الآخر يُعتبر حليفاً له وسهلاً جداً بإذن الله .
 . 
نسأل الله التوفيق في ذلك والله اعلم .