|

استراتيجية لعب الأدوار في غير محلها

الكاتب : الحدث 2024-06-02 12:48:09

 

بقلم المستشار ـ محمد بن سعيد آل درمة 

عندما يقوم المسؤول الأول في وزارته أو إدارته أو قسمه والمعني بالدرجة الأولى بالتخطيط والتنظيم والتوجيه والمتابعة العامة في الجهة التي يعمل بها، بالكتابة والتغريد في مواقع التواصل الاجتماعي وعدة مرات في اليوم وأثناء أوقات الدوام الرسمي، فإنه بذلك يقع في محظورين، الأول أخلاقي (وقد يرأى آخرين إنه شرعي) والآخر مهني، فالأخلاقي هو هدر وقت ثمين ليس بالهيّن كان الأولى توجيهه لما هو في صميم عمله لا سيما والجميع يعلم أن كثير من المسؤولين يقضون كثير من الوقت في بروتوكولات ومناسبات عامة لا تمت لعمل إداراتهم بصلة خلاف الاجتماعات وعضوية اللجان، فلا يتبقى من وقتهم إلا اليسير، وأيضًا أين هو من كونه قدوة لمنسوبي إدارته فتخيلوا معي لو كل (مسؤول وموظف ومعلم وطبيب وقاضي ورجل أمن...الخ)، قام بالكتابة والتغريد لكل عمل ينجزه أو فكرة تخطر بباله أثناء وقت العمل الرسمي، فكم سيُهدر من وقت العمل وجودة المخرجات ووقت وجهد المستفيدين (المراجعين)، وأما المحظور المهني فيتمحور في ماذا ترك لإدارة الإعلام والعلاقات العامة والتي من مهامها وأهم أولوياتها وواجباتها نقل ماذا فعل وماذا أُنجز وما افتتح من برامج ومشاريع، وبماذا صرح المسؤولين، فهو بذلك لعب دور ليس بدوره، والذي أرى يارعاكم الله أنه من الصالح العام للبلد والمواطن أن يتفرغ رأس الهرم في إدارته للأعمال التي لا ولن يتمكن سواه من أدائها، وعدا ذلك فالتفويض المقنن واللامركزية وإتاحة الفرصة لكل الجهات بالقيام بالأدوار المناطة بها ستحقق النتائج المرجوة. 

وفي سياقٍ آخر متصل لماذا كلما قصر أو أخطأ مسؤول كبير منصبه كان أو صغير، سخّرَ البعض أنفسهم للدفاع عنه وكأنهم موظفين في إدارة العلاقات العامة للجهة التي يعمل بها المسؤول، وكأن بالبعض يعتقد بأن دفاعه عن مسؤول هنا أو هناك سيضمه لعضوية عُلية القوم والوجهاء ورجال الدولة المخلصين، وكأن من ينتقد نقد بناء من أجل الإصلاح والتطوير والتجويد ولعدم تكرار الأخطاء يُصنف من الرعاع والبسطاء والعامة، لا وألف لا ياسادة، أفيقوا من أوهامكم والمزايدة على حب الوطن وولاة أمره فكل مواطن شريف مسؤول في عمله، وكلما علا منصب المسؤول علت الخطورة على الوطن والمواطنين حين يخطئ وهنا مكمن القضية، فدور المواطن عندما يخطئ مسؤول كدور وسائل الإعلام يسلط الضوء بما يتوفر لديه من وسائل اتصال ليصل الأمر للمسؤول وليعلم ويشعر إنه ارتكب خطأ في الأمانة الموكلة له من ولاة الأمر فيتعلم من ذلك، ونحن كإعلاميين وكتاب رأي ندعم المسؤول بالأراء والأفكار وندعه يعلم جيدًا أين قصر وأخطأ ليتعلم ويتدارك وينهض من جديد.

وهذا هو خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز -حفظه الله ورعاه - الذي عُرف بعلاقاته الوثيقة بالإعلام والإعلاميين قارئًا ومتابعًا وصديقًا ومسؤولًا، وبتشجيعه وترحيبه بالنقد الهادف وحرية الرأي والتعبير المتزن والمتعقل ، وتداول الأخبار الموثقة من مصادرها، ويستغرب انزعاج بعض المسؤولين من نقد الصحافة لمظاهر تقصير أجهزتهم، وقد أكد ذلك في شهر يونيو عام 2015م  خلال استقباله في مكتبه بقصر السلام بجدة كبار المسؤولين والمهتمين بمكافحة الفساد في القطاعين العام والخاص، حين قال: "الحمد لله دستورنا كتاب الله وسنة رسوله وماجاء به الخلفاء الراشدون، والحمد لله نحن في أمن واستقرار، يجينا الواحد من المواطنين يقول يا فلان بالاسم مثل ما قال لوالدنا وليس لقبه، ومع هذا كله جزاكم الله خير كرسميين وكأهالي، ونقول رحم الله من أهدى إليَّ عيوبي، إذا شفتوا شيئًا يضر المواطن أو بأفراد أو بقبيلة أو ببلدة أو بأي شيء كان، أبوابنا مفتوحة تلفوناتنا مفتوحة، وأذاننا مفتوحة لكم، والله يحييكم ومجالسنا مفتوحة لكم والله يحييكم".

وكذلك الأمير محمد بن سلمان ولي العهد رئيس مجلس الوزراء، عرّاب مكافحة الفساد وإرساء العدالة والشفافية والنزاهة في حواره مع مجلة "أتلانتيك" الأمريكية شهر مارس عام 2022م ، حين أكد على: "أن الإعلام السعودي يجب أن ينتقد عمل الحكومة وخطط الحكومة أيًّا كان، لأن ذلك أمر جيد".

حفظ الله بلادنا السعودية العظمى وحفظ وسدد قادتها الموفقين وشعبها المخلص الوفي العظيم، وأدام عزها ومجدها ووحدتها، وجعلها ذخرًا للإسلام والمسلمين في كل مكان وزمان.