|

عمل المرأة وأثره على المجتمع

الكاتب : الحدث 2024-05-12 07:33:44

 

بقلم المستشار محمد بن سعيد آل درمة

زرتُ وزوجتي مجمعين تجاريين لتتبضع الغالية بعض من احتياجاتها التي كُنَّا وحتى وقت قريب نجد حرجًا شديدًا من أين وكيف نشتريها ومَنْ سيرافقها، ورجال أجانب يسيطرون على سوق ومحلات المستلزمات النسائية، وبعد عدد من السنين العجاف التي كنت أتهرب وأرمي بتلك المهمة الصعبة المحرجة على أبنائي الصغار ويقبلوها على مضض، كبر الصغار وأصبحوا رجالاً يعانون ذات الحرج، أو كنا نسافر إلى دول مجاورة سبقونا في التأنيث بعقود مضت.

اليوم ولله الحمد والمنة زال ذلك الحرج الأليم ، وأضحى من الماضي العتيم ، وأصبحن النساء يتسوقن ما شئن بكل أريحية وكرامة دون خوفٍ وحرج، من نساء سعوديات محتشمات مؤدبات متعاونات، وذاك ما شاهدته بأم عيني أثناء تجولي برفقة أم أولادي على عدد من محلات الملابس والأحذية والعطور وغيرها وجميعها يديرها أيدي عاملة وطنية نسائية بكل اقتدار وحرفية.

عشتُ وقتها لحظات غريبة عجيبة بمشاعر مختلطة متناقضة بين سعادة غامرة من هم وحرج امتد سنين عددا واليوم يرحل، وبين خجلٍ من نفسي عندما تعجلت يومًا وكتبت مقالة أعترض فيها على إخراج المرأة للعمل ، وأنتقد وزارة الموارد البشرية للبدء بالتوطين بمثل هذه المهن البسيطة ومن القاعدة بدأت وليس من رأس الهرم، ولكنني أدركت الواقع فتراجعت وعلمت ببعد نظر الحكومة ، وأن وزارة الموارد البشرية تعمل ضمن خطة ورؤية وطنية بعيدة المدى تهدف لدفع عجلة التنمية، وتوسيع فرص عمل المرأة في شتى المجالات في القطاع الخاص لاسيما وأن النساء نصف المجتمع فكيف يُعطل نصف قوته وثروته البشرية ولا يستفاد منها ويكون البديل للأسف عمالة وافدة في معظمها غير متخصصة ولا مدربة هدفها الأول والأخير جمع المال بأي طريقة كانت ولو خالفت نظام بلدنا وثقافته وقيمه وأضرت بالوطن والمواطن.

والملاحظ أن العديد من الوزارات نهجت نهج وزارة التعليم ووزارة الصحة اللتين كُنّ سباقات في توطين الوظائف النسائية منذُ عقود، كوزارة الموارد البشرية والداخلية والخارجية والتجارة والعدل وغيرها، بتوفير وظائف مريحة في مواقع آمنة في الوزارات والقطاع الخاص من مصانع ومجمعات تجارية لعمل النساء، لها عدة إيجابيات نلمس ونشاهد اليوم نتائج هائلة لتلك القرارات على نمو اقتصاد البلد خلاف النواحي الاجتماعية التي شرحتها بداية المقال، أذكر عدد من الإيجابيات على سبيل المثال لا الحصر: توفير دخل منتظم للأسر المحتاجة والرفع من قدرتها على عيش حياة كريمة دون الحاجة للدعم الحكومي ومساعدات الجمعيات الخيرية، الرفع من الناتج المحلي الأجمالي (GDP) "مجموع قيمة السلع والخدمات التى يتم إنتاجها" وبأيدي سعودية، التقليل من أعداد العمالة الأجنبية والإبقاء فقط على مهن ووظائف محدودة ضرورية لا يمكن شغلها بالمواطن في الوقت الحالي، مما سيبقي مليارات الريالات المحولة للخارج سنويًا داخل البلد، إذ تحتل المملكة المرتبة الثانية عالميًا بعد أمريكا في تحويلات العمالة الوافدة، إيجاد فرص عمل للخريجات والمؤهلات وتقليل نسب البطالة في المجتمع بإحلال المواطنات في مهن تخص وتناسب النساء بدلاً من رجال أجانب، الحفاظ على البنية التحتية ومقدرات ومكتسبات وثروات الوطن لأهله وأبناءه والأجيال القادمة بعد ترحيل الأجانب، توفير قدر كبير من استهلاك الطاقة (بنزين- كهرباء- غاز- مياه- اتصالات وخلافها)، إخلاء عدد كبير من العقارات السكنية والتجارية مما سيهبط بأسعار العقار المتضخم المبالغ فيه بعد انخفاض الطلب، المحافظة على التركيبة السكانية للوطن حتى لا نصبح يومًا قلة في بلادنا وما يتبع ذلك من مخاطر أمنية واجتماعية وإشكالات ثقافية وأخلاقية، تقديم الخدمات الحكومية للمواطن بجودة عالية عند انخفاض أعداد المقيمين من صحة وتعليم وإسكان وخدمات بلدية ومواصلات.

وأخيرًا أقرُّ ببعض الدروس التي تعلمتها من العديد من القرارات الحكومية في الفترة الأخيرة: حسن الظن بولاة أمرنا وقادتنا ومسؤولينا حقًا لهم وواجب علينا، فهم لا يتخذون أدنى قرار دون دراسة وبحث ومراجعة ولكل قرار أسبابه ومسبباته، حيث يضعون نصب عينيهم مصلحة الوطن والمواطن أولًا ، وينظرون لكامل فئات الشعب نظرةً واحدةً، ويقفون على مسافةٍ واحدةٍ من الجميع، يواجههم الكثير من التحديات والضغوط الداخلية والخارجية لا يعلمها إلا الله ويخفيها ولي الأمر عنا رأفةً ورحمةً بنا، وصلتُ لقناعة تامة أدين الله بها بحسن قيادة خادم الحرمين الشريفين وولي عهده الأمين للوطن وبُعد نظرهم وعمق رؤيتهم ، وعملهم الدؤوب لما فيه عزة ورفعة الدين الإسلامي الحنيف وسعادة ورفاهية المواطن السعودي، عدم التعجل في إصدار أحكام عاطفية متسرعة دون التروي والبحث والانتظار، أيقنتُ بأن القرارات الاقتصادية من رفع أسعار الطاقة وتعويض المواطن متوسط ومنخفض الدخل بحساب المواطن، ورسوم العمالة والقيمة المضافة ورسوم الأراضي وغيرها، قرارات تاريخية ومفصلية في تاريخ السعودية ستحول اقتصاد المملكة في وقت قريب إلى اقتصاد قوي يكفل حياة كريمة ثابتة للأجيال القادمة، وبدأنا نلمس العديد من المتغيرات المفيدة وعلى رأسها نواتج رؤية السعودية 2030 والتي تحقق الكثير منها قبل موعدها المحدد.
حفظ الله بلادنا وقادتنا وشعبنا بحفظك، واللهم من أراد بلادنا بسوء فاشغله في نفسه ، ورد كيده في نحره ، واجعل تدبيره تدميرًا عليه.