د/ سلمان الغريبي
-----------------------
حقيقةٌ ومن واقع زمن الطيبين الصادقين المخلصين الأوفياء الذي عشناه .. وافتقدناه في زمننا هذا .. الزمن الغريب العجيب المتسارعة أحداثه والمُتغيرة فيه المبادئ والقيم والأخلاق والتي نعيشها هذه الأيام عند كثيرٍ من الناس وللأسف الشديد القريب منهم قبل البعيد ... ففيه نكثُ العُهود ، ونقض المواثيق ، وقطع الأرحام .. وكذبٌ ونفاقٌ وسوء أخلاق وتلاعبٌ في الأحساب و الأنساب بلا أدلة دامغة أو شهود عيَّان من أصحاب الخبرة و العلم من الذين لهم باعٌ طويل وبالأخص في هذا المجال علم الأحساب والأنساب حيث التنابز والسخرية بالألقاب والعنصرية والقبلية والتي ما أنزل الله بها من سلطان يقول تعالى في سورة الحجرات : {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا يَسْخَرْ قَوْمٌ مِّن قَوْمٍ عَسَىٰ أَن يَكُونُوا خَيْرًا مِّنْهُمْ وَلَا نِسَاءٌ مِّن نِّسَاءٍ عَسَىٰ أَن يَكُنَّ خَيْرًا مِّنْهُنَّ ۖ وَلَا تَلْمِزُوا أَنفُسَكُمْ وَلَا تَنَابَزُوا بِالْأَلْقَابِ ۖ بِئْسَ الِاسْمُ الْفُسُوقُ بَعْدَ الْإِيمَانِ ۚ وَمَن لَّمْ يَتُبْ فَأُولَٰئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ} ويقول تعالى في نفس السورة : { يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُم مِّن ذَكَرٍ وَأُنثَىٰ وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا ۚ إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِندَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ ۚ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ }
.. فأين نحنُ بالله عليكم من زمن الطيبين المخلصين الأوفياء ..؟!
ففي زمن الطيبين كان الأخُ أخًا بمعنى الكلمة ، ولاتظهر منه الزلة ولايخرج من فمه العيبَ .. فكبيرهم بينهم أبٌ وصغيرهم بينهم ابن .. و ابن العم لايغدُر ولايخون ولا يكذب ولا يُنافق ولا ينكُث المواثيق وينقض العهود التي بينهم سواء في الحاضر أو من عهد الآباء والأجداد .. والجار جارٌ طيبٌ وأخٌ لم تلده أمك حتى ولو جار عليك، فبالأمس القريب كنا كذلك ، فتبدل الحال فجأة وبسرعة البرق وأصبحنا في حال يُرثى له حيث قلة الفهم وقلة الحياء والقلوب المريضة والأخلاق السيئة غير السوية .. فأين نحن من الأمس القريب بعد أن كانت سيارة واحدة تخدم حيًا كاملًا، ًًوالأنفس طيبة والروح صافية والقلوب نقية .. واليوم أكثر من خمس سيارات عند باب كل واحدٍ مِنَّا ولا بركة فيها ، متقاعسة لاتخدم كما يجب أن تكون ، ومعها فوق كل ذلك سائق خاص، فالأعذار والإنشغالات كثيرة والله المستعان ..
بالأمس كانت مجالسنا صغيرة وغير شاسعة المساحات ولكنها تتسع لحيٍ بأكمله بكل حبٍ صافٍ ومحبة صادقة ونفسٍ نقية .. واليوم المجالس كثيرة كبيرة ومتسعة ،يرمح فيها الخيل ولكن الصدور ضيقة ، والقلوب مُتشاحنة والأرواح متنافرة مريضة يكسوها الحقد والحسد والطمع لا خيرٌ فيها ، مجالسٌ تفتقر إلى مَنْ يدخلها و يشاركنا الجلوس فيها ، والسهر داخل أرجائها ،مجالسٌ مغلقة موصدة أبوابها لا تُفتح إلا نادراً إما في الأعياد أو العزاء والعياذ بالله ..
بالأمس كان صغيرنا يُقدِّر كبيرنا ، وإذا تكلَّم الكبير أنصت الجميع بأدبٍ واحترام .. واليوم إذا تكلَّم الكبير لا يجد مَنْ يستمع له ؛ فالكل مشغولٌ إما منكَّبون على جوالاتهم أو لاهون بأحاديثٍ جانبية ، أو منعزلون في أجوائهم الخاصة، وإذا قمتَ بنصحهم أو تذكيرهم بأدب المجالس أو نهرتهم أصبحتَ من ألَدَّ أعدائهم فلا حول ولاقوة الا بالله العلي العظيم ..
بالأمس كان الجار أخًا للجار متحابين متعايشين متشاركين في كل شيءٍ حتى في مأكلهم ومشربهم ، وطلباتهم دائمًا مُجابة ، لا تأخير فيها بأعذار واهية أو حججٌ كاذبة ، ومانقص هنا تجدهُ هناك عند جارٍ آخر ، هكذا هم بسجيَّتهم صادقين ومخلصين ..
اليوم الجدار ملاصق للجدار ، والجار لا يعرف الجار ، ومن سنيين طوال ، فالحمدلله على كل حال يا جار ..
بالأمس كان لباسنا يتصف بالحِشمة والستر ينُّمُ عن مخافتنا من الله .. واليوم لاحول ولاقوة إلا بالله .. حيث الخلاعة والعري الذي أصبحوا يقولون عنه "موضة" وهي أبعد ما تكون عن الأدب و الحشمة و مخافة الله سواء في الأسواق أو المولات والكافيهات والطرقات والتجمعات والمناسبات ، فاللهم استرنا فوق الأرض وتحت الأرض ويوم العرض ياعزيز ياغفار ياذا الجلال والإكرام .. واعطنا خير ما يُعطى السائلين واجمع لنا بصلاح الدنيا والدين واغفر لنا ولوالدينا ولجميع المسلمين أجمعين .