الفلم أُنتج سنة 1990 م قصة وسيناريو وحوار الكاتب محمود أبو زيد وإخراج علي عبد الخالق وبطولة الفنان الراحل أحمد زكي (مستطاع الطعزي) ومعالي زايد (قمر الغسالة) وأحمد غانم (صاحب البيت) والفنان ممدوح وافي(توالي جنيح) ومحمود السباغ (سباخ التيبي الدجال)، تدور أحداث الفلم حول الشخصية المتعلمة أستاذ الفلسفة شخصية (مستطاع) الذي يحمل أفكار فلسفية حول تأثير العقل الباطن على السلوك الحياتي لبعض طبقات المجتمع الغير متعلمة والجاهلة والتفريق بين الحدث الحقيقي والخرافة، مما يوقعه في صدام بين إدارة المدرسة وبين مواجهة تطبيق أفكاره من قبل طلابه تبدأ من مواجهة غلاء أسعار الطعام المخصص للطلاب، تبدأ القصة عندما قرر الانتقال إلى سكن آخر فوق السطوح ليجد غرفة مغلقة كانت لدجال اسمه (سباخ) وأغلقت بعدما كثرت الإشاعات حول هذه الغرفة من سكان العمارة، فتكون من نصيب أستاذ الفلسفة (مستطاع) ، فتبدأ هنا الأحداث بين التغلب على مشاق الحياة ومواجهة الجهل إلى أن تحول أستاذ الفلسفة المتعلم إلى دجال بعدما تعرض إلى ضغط الحياة المادي والجهل المحيط حتى اقتنع تمامًا أن الجهل كان متفشيًا بين المتعلمين ووجهاء الدولة أيضًا وكان بسبب ذكاء (مستطاع) ، واستخدام الفلسفة مع بعض الكلمات التي يرغب في سماعها المتلقي لإقناعه أنه صاحب كرامة، حتى خرج (سباخ) الدجال من السجن فكانت أول مواجهة بين مستطاع وسباخ وكانت مواجهة بين الذكاء والعلم وبين الدجل والجهل حتى تمكن مستطاع بدهاء وفطنة أن يرعب سباخ الدجال بعبقرية المعلم حيث حلل مواجهته لسباخ أن الدجال سباخ كان في حالة سكر كي يواجه مستطاع فتمكن معلم الفلسفة من الإيحاء للدجال أنه ينادي على ملوك الجن والمردة حتى توهم الدجال أنه أمام دجال أعظم منه قوة ، فيدور حوار ذكي جدًا من الكاتب محمود أبو زيد بين العقل والجهل في جمل عميقة المعنى.
فتبدأ حياة مستطاع المعلم صاحب المبادئ والقيم والمعلم الفاضل إلى دجال يوهم الناس وينجرف إلى الشعوذة وبيع سلعة تخدير العقل إيهام المتلقي أنه يملك قدرات خارقة في قراءة الكف والتنبؤ بالمستقبل وحل المعضلات حتى يتسبب ذلك كله في التعمق بين طبقات المجتمع القيادية والمراكز العلمية والسياسية إلى أن يقع في مأزق عظيم وهو طلب وزير الداخلية التنبؤ له بفوزه بكرسي الوزارة مرة أخرى أو التشكيل الوزاري الجديد ، حتى أن مستطاع لا يعلم حينها ماذا يفعل فالأمر أصبح في غاية الصعوبة والقرار فيه أشبه بالانتحار أو الموت المحتم ، فقرر أن يصارح وزير الداخلية أنه دجال وهو معلم فلسفة فقط ، ولكن الوزير يصر على إدخاله السجن لرفضه قراءة الطالع لمستقبله الوزاري، فيتم ترحيل مستطاع صاحب الكرامة إلى السجن المركزي فيتفاجأ أن مدير السجن يطلب من مأمور السجن فك قيود صاحب الكرامة لتنتاب مستطاع حالة من الذهول أن مدير السجن يتحدث معه عن قراءته للطالع يوميًا في الصحف والمجلات وأن صيته وكراماته يسمع بها في أقطار المعمورة وأن الجميع يستقبل يومه في قراءته للطالع والكواكب والأبراج ليبدأ يومه على ما يقوله مستطاع من أحداث مستقبلية وهنا يكتشف مستطاع أن الجهل توغل بين المتعلمين أيضًا ، وهنا تكمن الفكرة من الفلم .
الرسالة هي أن ظروف الحياة وضغوطاتها قد تجعل من الجاهل صاحب نفوذ ومن المتعلم والمثقف دجال جاهل يصنع منه المجتمع شخصية مخالفة لواقعه أو ربما تغذية ما يخفيه في جوفه من شرور حتى تجل منه نافذًا ومتمكناً وصاحب قرار يقود فيه مصالحه الشخصية ، وهذا ما نراه منتشرًا في وقتنا الحالي في المجال الفني من تغيير لمبادئ وقيم فنية عميقة إلى الغوص في وحل المصالح الشخصية وإشباع الرغبات عن طريق ( المصلحة الشخصية أولاً) من توسيع دائرة ( كن منافقاً ومنتفعًا) إلى تبجيل الأصحاب والأقارب والزملاء بما تملي عليه المصلحة الشخصية إلى مهاجمة المثقفين والصناع الحقيقيين وأصحاب المبادئ على حسب القاعدة (من معه مصلحتي فهو سيدي ) ، فلا عجب أن تنعدم الكلمة الصادقة وكذلك الحرص المطلق على الثقافة الفنية الحقيقية من مثل وأخلاق إلى تكتلات وأحزاب تجمعهم مصالح مشتركة، هذا ما شهدته بنفسي في أحد المهرجانات عندما التقيت بمن هم في نفس الاختصاص أو من جانب الاهتمام، فتصدر اسم كان بالنسبة لي بمثابة الأخ والصديق وذو تأثير مباشر في اهتماماته وكتاباته ولقاءاته الفنية حتى انجرف وراء المصلحة الشخصية ليظهر لك الجانب الحقيقي من (مستطاع) الذي حوله من شخصية متعلمة إلى أسير المصلحة .
سباخ جاهل ودجال قابل مستطاع معلم الفلسفة فتمكن مستطاع من الدجال بالعلم والإيحاء فترك الدجال أول بذرة في داخل المعلم ليتغير مجرى حياته ويخلع جلباب العلم ليركب موجة المصلحة واستغلال الناس، فتحول المبدأ إلى خرافة وتحولت الخرافة إلى يقين وأصبح المتعلم يحارب العلم و أصبح الجاهل في مركز نفوذ وأصبح المجتمع يتكئ على من له قيمة جماهيرية ويهمش من له قيمة علمية أو الضغط عليه ليركب موجة الجمهور رغمًا عنه، لا تتعجب عندما تكون صاحب مبدأ وقيم وتعلم ماهي منزلتك الحقيقية أن تواجه تحول فيمن هم حولك ممن هم في نظرك ( مستطاع ) لتجدهم أصبحوا (سباخ الدجال) .
كم شخص ممن هم حولنا (مستطاع) وأصبح (سباخ الدجال)؟!
عارف أحمد
