بقلم 🖋️ نهاد فاروق قدسي
استوقفتني اليوم تغريدة للدكتور جاسم المطوع : "يحسب الآباء أن المشاكل التربوية مثل تسخين الطعام بالمايكرويف ، تُعالج بشكل سريع و بجلسة واحدة أو توجيه واحد ، تلك "التربية المايكرويفية" يستحيل تحقيقها " ..
صحيح أننا في عصر السرعة الذي يسيطر على أنماط حياتنا في كافة مجالاتها ، وفي ظل الثورة التكنولوجية التي نعايشها حاليًا ، وسرعة وسائل الاتصال والتواصل والانفجار المعرفي التقني الذي غيرّ ملامح وجه العالم بأكمله ، حيث أصبحنا "بضغطة زر" نطّلع على أخبار العالم من أقصاه إلى أدناه ، و"بضغطة زر" نضيء قناديل مدينةٍ ونعتم أضواء مدينةٍ مجاورة ، و"بضغطة زر" نطلق صاروخًا و نوقف آخرًا .. وذلك من خلال برامج رقمية وتطبيقات حاسوبية ذات أنظمة إلكترونية احترافية ..
وكل ذلك ساهم في اختلاط المفاهيم لدى البعض من الآباء .. والتبست كثير من الأمور التي تناثرت حولها الشبهات والشوائب .. فتداخلت الرؤى وغشيت الأبصار بشيء من "الضبابية" فيما يخص تربية الأبناء "ضحية العصر الراهن" ، حيث يظن كثير من الأهالي أنه بإمكانهم أيضًا التعامل مع ابنائهم بنفس إيقاع التكنولوجيا المتسارع ، وتتم معالجة مشكلاتهم التي يواجهونها بذات الأسلوب "بضغطة زر "، وهذا مايسمونه كثير من مستشاري التربية بـ( التربية المايكرويفية ) تلك التربية السريعة التي توافقت في خصائصها مع جهاز الميكرويف الذي نعرفه جميعنا ، ويتميز بأدائه السريع للمهمة وخلال وقت أقصر ..
فَـ (التربية المايكرويفية) قد تبدو لبعض من الآباء أنها مجدية في حل المشاكل بصورة فورية ، ولايعلمون أن حلها لايتعدى الحل السطحي وليس الجذري مطلقًا ،فالمشكلات التي نقف عند ظواهرها دون تعمق في أسبابها ، وسبل علاجها ، والطرق الناجعة لتفادي الوقوع بها مرة أخرى، تأتي حلولها غير عملية و مؤقتة ، بل ستأتي - غالبًا- بنتائج عكسية فادحة.
فإذا تعرض ابناؤنا لمواقف حرجة أو وقعوا في مأزقٍ ما ، ونحن نعلم جميعًا -أن وقوع الأبناء في المشكلات أمر لامناص منه - لذا يحتاج الأبناء أثناء ذلك إلى آباء يتكيفون مع واقعهم ، ويتعاطفون معهم ويشعرونهم بالثقة تجاههم ، ويعالجون مشكلاتهم بواقعية وهدوء ، ويسبرون أغوار أسرارهم ، ويدرسون مشكلاتهم بتأنٍ وجدية حتى تأتي بالنتائج المبهرة المرضية .
وإن البعض من الآباء يرغبون في أن يكون ابناؤهم ناجحين، لكنهم لا يهتمون بالطريقة التي سيحققون بها تلك النجاحات ، فتربية الأبناء أمر صعب للغاية، وتحتاج إلى جهود عظيمة لتجني نتائج أعظم ومخرجات أضخم ليست "بضغطة زر" يستطيعون إنهاء هذه المهام الجسيمة من معالجة اعتلالات نفسية .. حل مشكلات .. تجاوز عقبات .. مواجهة تحديات .. تحقيق أهداف .. إحراز تفوق .. وحتى وصولًا إلى القمة .
لابد أن نستشعر حجم المسؤولية الملقاة على عاتقنا كـ آباء .. وبالحلم والتحلّم .. والصبر والتصبّر؛ حتى يمكننا الوصول بابنائنا إلى بر الأمان، وسنصله بإذن الله بكل سلام ..