"نفط السعودية للعرب" .. دوافع وأسباب !!
أحمد بني قيس
يتم هذه الأيام ترويج شعار مستجد يقول "نفط السعودية للعرب" ويرى أصحاب هذا الشعار أن كونهم عرب والسعودية دولة عربية فهي بالتالي مرغمة على توزيع ثرواتها وخيراتها عليهم حتى لو كان في المطالبة بذلك تجاهل ولا مبالاة لحقيقة أن السعودية دولة قطرية حالها في ذلك حال بقية الدول العربية ولها كامل الحق في ممارسة سيادتها على كل ما تمتلك من ثروات وخيرات ، كما أنها ليست دولة خلافة بايعها العرب وأصبحوا يدينون لها بالسمع والطاعة حتى تكون مسؤولة عنهم ويُصبح حينها لهذا الشعار مشروعية تجعل السعودية مُلزمة بتطبيقه.
ممّا يجب معرفته في هذا الشأن أن هذا الشعار المستجد ليس سوى امتداد لشعار آخر قديم نوعًا ما يتبناه المتأثرون بالفكر الناصري والذي كان أول من أطلقه زعيمهم الراحل جمال عبدالناصر عندما رفع شعار "نفط العرب للعرب" وكانت الدول المقصودة في حينه بهذا الشعار هي حصرًا دول الخليج ولا يشمل التعبير عنه الدول العربية النفطية الأخرى كالعراق والجزائر وليبيا.
والسبب في تحديد دول الخليج بذلك الشعار أن الفكر الناصري كان ولازال يُصنفها على أنها دول رجعية ومتخلفة وسكّانها مجرد بدو رُحّل ورعاة للإبل وغير جديرين بامتلاك ما ينعمون به من ثروات ما يجعل تقاسمها معهم أمر مشروع لا يجب الاعتراض عليه أو الامتناع عن تنفيذه في دلالة واضحة على مدى تغلغل العنصرية في وجدان أصحاب ذلك الشعار ضد دول الخليج كافة والسعودية خاصة.
ولكن ما يتناساه المتبنين لمثل هذا الشعار أن شعب السعودية ومعه بقية شعوب دول الخليج كانوا يعيشون قبل اكتشاف النفط حياة غاية في البؤس والشقاء ومع ذلك لم يكترث أجداد هؤلاء المتشدقين بمثل ذلك الشعار بأي شكل من الأشكال لمعاناتهم وضنك العيش الذي كانوا يُكابدونه ولم يُبادروا بتقديم أي مساعدة من أي نوع لمحاولة التهوين والتخفيف من غلواء كربهم الذي دفع الكثير منهم في ذلك الزمن للبحث عن العيش الكريم في أي مكان قد يوفره لهم من شدة الفقر والعوز الذي كانوا عليه.
اللافت في هذا الشأن أن تلك المعاناة الخليجية التي تُشابه إن لم تكن تفوق المعاناة التي يعانون منها رافعي هذه الشعارات حاليًا إلا أن كرامة أهل الخليج واعتزازهم بذاتهم حالا دون رفع الخليجيين لشعارات مماثلة تقول بأن لهم نصيب وحق مكتسب فيما كانت ترفل وتنعم به دول أصحاب هذه "الروح الشعاراتية" من خيرات وثروات في حينه.
وبمناسبة الإشارة إلى "الروح الشعاراتية" التي يتمثل تعريفها في أنها عبارة عن الإدمان على رفع الشعارات وترديدها فإننا نجد أن تأصّل وتجذّر هذه الروح في وعيهم وفكرهم الجمعي يؤكده حضورها الدائم في العديد من جوانب حياتهم دون أن يُحدث وجودها أي تغيير إيجابي يعود بالنفع عليهم ويبرر تمسكهم بها ومن المفارقات في هذا الشأن أنه رغم غياب هذا النفع إلا أننا نراهم يصرّون على التحلي بها بل والحرص على توريثها لأجيالهم المتعاقبة.
وعودة للشأن النفطي والممارسات الشعاراتية المتعلقة به نلاحظ أن تلك الممارسات كانت تتعلق في بدايتها بدول الخليج كافة كما ذكرت آنفاً إلا أن هذا الأمر تطور لاحقًا حتى أصبح يخصّ السعودية وحدها فقط ، وأهم سبب وراء ذلك هو الحال الذي أصبحت عليه السعودية اقتصادياً وسياسياً وحضارياً في عصرنا الراهن حيث يقول الواقع العربي المعاصر بأن السعودية أصبحت زعيمته الأولى بلا منافس بل ولاعبه الرئيس وأيضًا يقول بأن القيادة السعودية تبنت سياسة أزعجت الكثير منهم ينحصر اهتمام هذه السياسة في تحقيق مصالح الشعب السعودي بالدرجة الأولى قبل مصالح أي طرف آخر.
وهذا القول لا يعني بأن السعودية تخلت عن دعم العرب دولاً وشعوب فالتاريخ والواقع يشهدان بأن جميع الدول العربية حتى النفطية منها كانت ولازالت تحظى بالعون والمساعدة من السعودية إلا أن الجديد في هذا الجانب أن هذه المعونات والمساعدات أصبحت الآن مشروطة سعودياً بتحقيق المراد من منحها حتى يتم تقديمها بالشكل الذي ينسجم مع أوجه صرفها ، وهذا ما أثار حفيظة الكثير من المتربصين بالسعودية ومعهم أولئك الذين كانوا سابقاً المستفيدون الوحيدون من تلقّي المعونات والمساعدات السعودية.
ختامًا إن ما يجب أن تعلمه كافة الشعوب العربية وممثليها بأن السعودية تقود مرحلة جديدة في مسيرتها التنموية والتطويرية والتي هي مسيرة ثبت للجميع بأن عرقلتها أمر عجزت عن فعله دول عظمى فما بالك بغيرها من الدول الأقل شأنًا ومكانةً ، وعليهم أيضًا إدراك أن اتباع نهج الابتزاز ومحاولة تشويه صورة السعوديين لا يصب في مصلحتهم هم قبل غيرهم خاصةً وأنه ثبت فشله وثبت أيضًا أنه لن يجلب لمن يردده إلا سخرية السعوديين منه وامتناعهم عن التجاوب معه.