|

المشاهير .. نمنحهم الشهرة ثم ننتقدهم عليها !!

الكاتب : الحدث 2023-08-22 10:18:41

أحمد بني قيس
‏@ahmedbanigais

من الغرائز الفطرية التي أوجدها الله سبحانه وتعالى في خَلْقه غريزة "الفضول" وهي غريزة تُولّد رغبة جامحة عند صاحبها تدفعه للتعرف على كل ما هو جديد إلا أن هذه الغريزة لها وجهين : أحدهما "إيجابي" تتجسد معطياته في أن "الفضول" يُسبب في بعض جوانبه زيادة في علم ومعرفة صاحبه وزيادة في قدرته على أن يكون عنصر فعّال في مجتمعه ، وقادر على استيعاب ما يستجدُّ عليه وعلى حُسن التفاعل معه.

أما الوجه الآخر لغريزة "الفضول" فهو "سلبي" وتكون نتيجته الدائمة تتمثل في المعاناة من سلبيات عدة ، وسببها الرئيس أن "الفضول" يؤدي أحياناً إلى عدم التعامل الإيجابي مع المستجدّات وإلى تغييب الفهم الصائب لكيفية استغلال وجودها على نحوٍ بنّاء وهادف يجعل استخدامها يُسهم في توسيع مدارك وآفاق صاحبها وكذلك في حسن تعامله مع كل ما يجعل "الفضول" حاضراً عنده.

وعصرنا الراهن يشهد بأننا نعيش زمنًا طرأت عليه العديد من المتغيرات العلمية ولعل أبرزها التطور التقني الذي نعيشه هذه الأيام والذي يتجلّى جانب من صوره في ابتكار العديد من التطبيقات الاجتماعية التي تم التعارف على تسميتها بوسائل التواصل الاجتماعي ما جعل غريزة "الفضول" المشار إليها أعلاه تصل إلى أعلى مراحلها عند الكثير من العامة فكانت دافعهم الأول لسبر أغوار هذه الوسائل والاطلاع على تفاصيلها ومن ثم استخدامها وهو ما نتج عنه اشتهار عدد كبير منهم وذلك من خلال تنامي عدد المتابعين لهم.

وكان من نتائج هذه الشهرة أن جعلت أصحابها ينقسمون إلى قسمين : قسم يحكي واقعه بأنه ضئيل العدد رغم تمتع محتواه بأطروحات إيجابية كفيلة بمنح من يتابعه ثراء واسع في حصيلته العلمية والمعرفية ، بينما القسم الآخر وهو القسم الأكثر عددًا وانتشارًا للأسف والذي نجد أن معظم ما يُقدّمه يغلب عليه الإسفاف الخُلُقي والسلوكي الذي لا يخالف فقط الثوابت المجتمعية بل حتى بعض الثوابت الدينية الشرعية ما يجعل أمر التصدي له ولمن ينشره أمرٌ بالغ الأهمية.

ولكن ما يتحتم علينا قوله في هذا الجانب أنه من المعيب علينا كمجتمع أن نكتفي فقط كما هو حاصل حالياً بقدح وذم أمرٌ نحن من صنعه وأوجده فهؤلاء المسمّون "مشاهير" لم يكن لينالوا ما يتمتعون به من شهرة وانتشار لولا إسهامنا نحن في ذلك ما يجعل اكتفائنا بانتقادهم وانتقاد تأثيرهم اكتفاء أجوف لا يمكن قبوله ولا الترحيب به فنحن علينا واجب وطني ومجتمعي يتمحور في ضرورة علاج أي أمر سلبي نتسبب نحن في وجوده وفي مفاقمة تأثيره.

الجدير بالذكر -ختاماً- أن الدولة تقوم بدورها في محاولة احتواء وجود وتأثير ظاهرة "المشاهير" السلبيين من خلال فرض ضوابط عليهم إلا أن واقع هذه الضوابط يقول بأنها لازالت غير كافية وتحتاج إلى أن تكون أشد صرامة حتى تكون أشد ردعاً ، وهذا القول لا يلغي دورنا نحن كمجتمع كما أسلفت في ضرورة المساهمة في ردع هذه الظاهرة والذي هو دور تشير جميع المعطيات إلى أن الغالبية منّا تحاول التملص منه وتبرئة ساحتها بقصد أو بدون قصد وكأنها غير مسؤولة عنه ولا دور لها في تصويبه.