إشكالية العرفان عند عرب المهجر
أحمد بني قيس
@ahmedbanigais
بدايةً لا شك في أن الكثير من العرب يعيشون في بلادهم حالات معيشية غاية في السوء إما لأسباب اقتصادية أو سياسية أو أمنية أو الثلاثة أسباب معاً والتي تسببت جميعها في خلق اضطرابات وقلاقل وفتن جعلتهم حقيقةً في حالٍ يُرثى له ويُستثنى من ذلك المصير القليل من البلدان العربية من بينها دول الخليج نظراً لما تتمتع به من سعة في الرزق ووفرة مادية ساهمت في إنقاذها وتجنيبها الكثير من المآسي التي عاشتها وتعيشها أغلب دول المنطقة.
ولقد دفعت هذه الحالة البائسة الكثير من أهل تلك البلدان إلى ترك بلدانهم واللجوء لبلدان عربية وغير عربية بحثاً عن حياة أفضل لهم ولعوائلهم ويشهد حال الكثير منهم بأن هدفهم من الرحيل إلى تلك البلدان في المجمل تحقق جزء كبير منه إلا أن الملاحظ أن غالبية هؤلاء يُظهرون نوع من التذمر والكراهية تجاه تلك البلدان رغم كل ما وفرته لهم من أحوال وظروف لا تقارن إطلاقاً بالأحوال والظروف التي كانوا يعيشونها في بلدانهم.
وتختلف أسباب هذا التذمر والكراهية باختلاف الحالة الفكرية والثقافية التي تُعزز عند من يسير وفقاً لها الاقتناع بمشروعية هذا السلوك من عدمه وأيضاً بمدى جدارة الاعتراف بالجميل لمن يقدّمه لهم والسبب الوحيد الذي قد يُفسر وجود هذا الاقتناع يكمن في شعورهم بالنقمة على تلك البلدان نظير ما تعيشه من رغد وازدهار حُرمت منه بلدانهم الأصلية للأسباب التي ذكرتها أعلاه.
ومصطلح بلدان "المهجر" هنا ليس فقط محصور في البلدان الغير عربية كما قد يتصور البعض وإنما هو مصطلح يعمُّ جميع الدول بما فيها الدول العربية وتحديداً الخليجية التي يقول واقعها بأن أغلب القادمين لها من الأخوة العرب يغلب على معظمهم عدم الرغبة في الاعتراف بمعروفها عليهم.
وهذا النكران للجميل يشمل حتى الدول الغربية كما أسلفت والذي أستطيع تأكيده من خلال تجربة شخصية عايشتها بنفسي عندما كنت مبتعثاً في إحدى دول الغرب التي شهدّتُ فيها وعن كثب مدى تغلغل هذا الشعور عند الكثير من العرب المقيمين فيها رغم أن طبيعة حياتهم في تلك الدولة تقول بأنهم يعيشون حالة معيشية جيدة لا تشفع لوجود هذا الشعور عندهم.
وهذا الطرح لا يعني إطلاقاً بأن البلدان الغربية أو حتى البلدان العربية التي استضافت هؤلاء العرب هي جنّة الله في أرضه وأنها تعيش حالة ملائكية لا تشوبها شائبة فأنا أعترف بوجود بعض الملاحظات عليها منها المعاناة من بعض مظاهر العنصرية والتضييق ولكن هذا لا يعني بأن حياتهم في أوطانهم كانت وردية وخالية من المنغصات وهو ما يجعل المساواة في الحال بين المكانين ضربٌ من التجني والجحود لأننا إذا أفترضنا جدلاً بأن حالهم في بلدان المهجر سواءً كانت عربية أو غير عربية لا يختلف عن حالهم في بلدانهم الأصلية أو أنه في الواقع أسوأ منه فإن لغة العقل والمنطق تقول بأن بقائهم في تلك البلدان أو حتى الذهاب إليها في ظل هكذا ظروف يُعتبر قمة الحماقة فالشاعر قديماً قال "بلادي وإن جارت عليّ عزيـزةٌ .. وأهلي وإن ضنّـوا عليّ كرامُ".
وأختم أخيراً بقول إن هذا المرض النفسي وأصرّ على وصفه بالمرض النفسي الذي عنوانه عدم القدرة أو الرغبة في تقديم الشكر والعرفان لمن يُقدّم أي شكل من أشكال المساعدة هو مرض مستفحل عند الكثير من العرب وهذا ما يجب أن يدفع عقلاء هؤلاء القوم للقيام بترسيخ قيمة الحديث النبوي القائل "لَا يَشْكُرُ اللَّهَ مَنْ لَا يَشْكُرُ النَّاسَ" في نفوس كل من يحتاج لهذا الترسيخ حتى يتمكن هؤلاء من العيش بأمن وسلام بين ظهراني الدول التي يتواجدون فيها خاصةً وأن حجم ونوع التبعات التي تترتب على فقدان الأمن والأمان والتمتع بالعيش الكريم والذي هم أعلم الناس به يجب أن يحثّهم على إظهار التقدير الواجب لأي دولة تُقدّم لهم حسنات يُفترض بها أن تجبُّ أي سيئة قد يتعرضون لها داخل تلك الدولة.