احذر.. أمامك قمة
بقلم: منال حمد الخاتم
مازلنا نسقي أبناءنا كما ُسقينا من قبل عبارة (القاع مزدحم اختر مكانك في القمة ) فهذه العبارة
تكاد تكون الشعار الوحيد الذي اتفق عليه مجتمع الأسرة والتعليم والعمل فنشأ جيل يؤمن بأن القمة هي جنة قطوفها ُخلق وفكر وأدب ولن تُنال إلا بطول جٍد وعظيم سعي وكثير دأب فكانت القمة متفردة وآمنة وبراقة. في الحقيقة أعتقد الآن أنه قد آن الأوان لتعديل هذه العبارة وجعلها (القاع مزدحم احذر أمامك قمة) فهي هكذا أكثر شفافية ومصداقية لمن يعيش في هذا الزمان ولعلي في هذا الاقتراح أرتكز على ثلاثة مبادئ تأسست عليها العبارة الأولى لم تعد متوفرة في قمة هذا الزمان، فالقمة الآن مزدحمة وخطرة و مزيفة وإليك بعض ملامحها المعاصرة حيث تغيرت ملامح القمة وسبل الوصول إليها فأصبحت أيًا كان مجالها ـوالكل يرى ويشهد ـــ مزدحمة بمن حالفهم الحظ ـــوضع خطين تحت الحظ ـــ فوصلوا إلى القمة وتربعوا ووضعوا أسسهم وزاحموا أهلها فيها وبهذا فقدت القمة تفردها ، ولكن هذا لا ينفي وجود شخصيات رائعة في فكرها وعطاءها مازالوا يعتلون القمة فبارك الله فيهم أينما كانت قمتهم وأعانهم الله في الوقت ذاته على الصراع مع (مدمني القمة ) وهم تلك الفئة المهوسة بالبقاء على رأسها ممن تخلوا عن كثير من المبادئ والقيم وقانونهم البقاء للأقوى فهم بهذا شرسين في الدفاع عن الموقع لا أكثر ودورهم في هذا انحصر في تنافس يقصيك عنهم لا يرفعك معهم وبهذا باتت القمة
علنا ًليست آمنة .
ويبقى السيناريو الأخطر في قضية التعامل مع القمة في أنها ليست مصدراً حقيقيا ًللسعادة دوما ًكما يروج لها الكثيرون فالسعادة التي تصنعها القمة في كثير من الأحيان إما مؤقتة أو فتاكة، ولعل تلك الحقيقية يدركها الكثيرون ممن وصلوا للقمة في مجالاتهم فبمجرد وصولهم للقمة سيطرت على حياتهم تلك الأسئلة الوجودية من قبيل ماذا بعد ذلك؟ ماذا يجب أن أفعل الآن؟ كيف أقدم أفضل مما قدمت؟ فأصبحوا (مدمني نجاحات )فلا يعرفوا طعما ًللراحة إلا بحقنة نجاح وهم بهذا في سعادة مؤقتة ،والعقل وكلنا يعرف يفرز تلك المادة التي تعيدنا قسراً إلى حالة الاستقرار فلا نبقى في نشوة سعادة دائمة ولا ألم حزن مستمر وهذا من فطرة الله فينا ومن نعمه علينا لذا فالتعامل مع السعادة التي تصنعها القمة يحتاج إلى وعي عميق وإدراك معرفي كبير لطبيعة القمة وكنه السعادة وغاية الأهداف وإلا سنظل نحوم في دائرة السعادة المؤقتة والخوف كل الخوف هو من الانحراف أثناء الدوران والسقوط في متاهة القلق والضغوطات الفتاكة التي تولدها الرغبة في الاستثنائية والجنوح الدائم للضوء فلا تعرف النفس
مع هذا طعماً للراحة والهدوء والسلام .
في الحقيقة أنني حينما أحاول إعادة صياغة العبارة الأولى وأضع مبرراتي في ذلك فإني لا أدعو إلى التخلي عن القمة ولكني أأكد على ضرورة إعادة تعريفها بشيء من المصداقية و الواقعية فالواقع يؤكد أننا الآن لسنا بحاجة ماسة إلى عبارات تصنف البشر إلى أناس خلقوا للقمة وأناس خلقوا للقاع و لسنا بحاجة لتمجيد مكان بعينه ليصبح خط سباق بشري لا نهاية له إننا في الحقيقة بحاجة إلى أن ندعو إلى المنطقة الوسطى ونربى الأجيال القادمة عليها فلا نصطدم بمقدمة قمة
ولا نسقط في هوة قاع .

نحن باختصار بحاجة إلى إعادة التوازن البشري بحيث يصنع كل فرد قمته في ضوء مهاراته وقدراته يصنعها وهو مستمتع بتفاصيل رحلة الإنجاز، وواعي ومسلح بمعارف وقيم ومبادئ تجنبه الصراعات والتنازلات والضغوطات ومدرك لوجوه الاستثنائية فيجدها في لحظات حب وضحك ويتقبلها في كبوات فشل وينطلق بها مع صحبة في رحاب الإبداع .