مثالب الروايات الشعبية
أحمد بني قيس
@ahmedbanigais
ينتشر في بعض مناطقنا ما يُعرف بالرواة وهم أشخاص يقومون بسرد روايات أو قصص تتنوع ما بين الواقعي والتاريخي وما بين الطريف والمحزن كما أن أهدافها تتنوع بتنوع طبيعتها فأحياناً تكون للمتعة والتسلية وأحياناً تكون للعبرة والعظة ولكن يُعاب على هذه الروايات أن بعضها يجنح في أحيان كثيرة للخيال والخرافة والمبالغة الشديدة.
وما يعنينا في هذا المجال هي الروايات والقصص المعنيّة بباب العبرة والعظة وهي الأهم حيث وجدت أن بعضها إن لم يكن جُلّها يتم حشوه للأسف بأحداث يصعب تصديقها من شدة غرابتها ما يجعلك عند سماعها تظن أنك تستمع لإحدى قصص "ألف ليلة وليلة" ويحيلون ذلك غالباً إلى التدخل الإلهي والذي هو أمر لا ننكره ولكن بعض هذه الأحداث التي يتم ذكرها تكاد تكون معجزات لا يمكن أن تحدث إلا للأنبياء والرُسل.
فنعم العظة والعبرة مطلوبة وضرورية ولكن يجب علينا اختيار السبُل المناسبة والأساليب التي يقبلها العقل حتى تتحقق بها هذه الغاية لأن ما ينفع لإقناع شخص ليس بالضرورة أن يكون نافعاً لإقناع غيره فمثلاً هنالك من تردعه عن غيّه ذكر أهوال النار ووقائعها فيسعى لتجنبها بينما الآخر لا تردعه إلا ذكر مناقب الجنّة ومحاسنها فيطمع في الفوز بها وهذا ما يجب معرفته والانتباه له عند إستخدام مثل هذه الوسائل التوعوية التي لا شك أن هدفها النصح والإرشاد وإنقاذ الناس من الضلال وتحذيرهم من الزلل والذنوب.
ولعل البعض يتساءل عن سبب طرح هذا الموضوع والسبب يكمن في متابعتي لبعض الرواة في إحدى وسائل التواصل الاجتماعي وهي متابعة أستمرت لفترة زمنية كانت كافية عندي للحكم على ما يتم تناوله من قِبَل هؤلاء الرواة حيث وجدت أن جُلّ ما يطرحونه هو عبارة عن سرد قصص وروايات يختلط فيها السم بالعسل ويظهر ذلك عندما يقومون بنقل مبالغات في ثنايا سردهم لا يمكن قبولها أو التسليم بصحّتها كما أشرت أعلاه فيعظم حينها خطر السم وتضيع منفعة العسل.
وقد يأتي أحدهم ليقول بأن الكثير من هذه الروايات الشعبية صائبة ومفيدة حتى لو كان فيها مبالغة وهذا الرأي لا يمكن قبوله لسبب بسيط وهو أن تحريف الروايات والزيادة عليها يُذهب نفعها وفائدتها عقلاً ونقلاً إما لصعوبة الاقتناع بها وإما لضرر نشرها إذا ثبت بطلانها.
وما يبرهن لنا مثالب ذلك هو ما تعرضت له أحاديث الرسول صلى الله عليه وسلم من زيادة ونقصان وأحياناً افتراءاً وبهتان والتي هي حقيقة أكّدها رواة "الصحاح" الذين اعترفوا جميعهم بوجود أحاديث نبوية صنّفوها على أن بعضها ضعيف بل وقالوا عن بعضها الآخر أنه مكذوب فكان ضررها ضرر واضح لا يحجبه غربال وإن كان عددها قليل إلا أن الإشارة إلى وجودها يدلل على مدى ضرر المبالغة والتحريف عند القيام بأي أمر.
وأنا هنا لا أُنكر أهمية نشر الفضيلة ومكارم الأخلاق والأهم منهما العمل على ترغيب الناس في العودة إلى الله والتمسك بتعاليمه عن طريق ذكر روايات وقصص قد تحقق هذا الهدف ولكن ما يجب تلافيه والحذر منه عند اللجوء لهذا السبيل ألا ينطبق على من يروي هذه القصص والروايات المثل القائل "أتى ليُكحّلها فأعماها" وذلك عندما يقوم بذكر مبالغات مُفرطة تُسيء إلى هدفه النبيل الذي يرمي إليه ويريد الوصول له.
لذا فإن هذا المآل يجب أن يجعلنا جميعاً حريصين جداً على الابتعاد تماماً عن كل ما ثبت ضرره وقلّ نفعه حتى نُفيد ونستفيد لإن مخالفة ذلك كفيلة بأن تجعل تبعات هذه المخالفة صعبة التجنب وغير محمودة العواقب خاصة في هذا العصر الذي أستجدّت فيه أمور جعلت ما كان مقبولاً ونافعاً في الماضي قليل الجدوى والفائدة في وقتنا الراهن.