الغرب وكذبة حرية التعبير
أحمد بني قيس
@ahmedbanigais
من المفروغ منه أن كل أمر في هذه الحياة لابد إلا وأن يعتريه النقص فهذه هي طبيعة الحياة وهذا ما تقوله دروسها وتجاربها وهذه الحقيقة تشمل مختلف جوانب الحياة حتى لا يتم حصرها في جانب دون غيره الأمر الذي يجب أن يجعلنا نؤمن ونسلّم بكون هذه الحقيقة جزء منّا ونحن جزء منها ومن بين ما تشمله هذه الصيرورة المجتمعية وإرهاصات أحداثها تباين ثقافات الدول وأعرافها.
وهذا التباين الثقافي والسلوكي أمر طبيعي يجب ألا يفاجئنا وجوده أو القيام بممارسته حتى لو لم نكن على وفاق مع بعضه طالما ظل التعبير عنه محصور داخل حدود الدولة المعنيّة به وبعيد عن مساعي فرضه على المجتمعات الأخرى من قِبَل قواها السياسية والمجتمعية خاصةً إذا ثبت للمجتمعات المستهدفة أن السماح بممارسته داخل حدودها فيه تعدي وتطاول على مقوّماتها الرئيسية سواءً كانت عقائد وقناعات أو كانت عادات وتقاليد.
وهذا الحديث يُحيلنا للتأمل في مسلك بعض الدول الغربية التي تسعى لطمس هويتنا الأخلاقية والدينية من خلال محاولة فرض بعض قيمها علينا والتي نعتبرها نحن شاذة ومعارضة لقيمنا بل وثوابتنا الدينية ويتم هذا السعي الغربي عن طريق التذرّع المزيف بواجب الدفاع عن حقوق الإنسان وحرية التعبير رغم أن الواقع يشهد بأن أكبر منتهك لمثل هذه الحقوق هو الغرب نفسه.
فمثلاً يسعى الغرب هذه الأيام لترويج قيم معينة كالقيم الشهوانية والجنسية (المثلية) التي تتجنب التحلي بها حتى الحيوانات فما بالك بالبشر والتي أصبح كل من يعترض عليها حتى داخل حدودهم عرضة للتنكيل والتخوين والاتهام بالتخلف والرجعية في مخالفة صريحة لمبادئ حرية التعبير التي يزعمون التمسك بها والدفاع عنها.
ومن الأمثلة الحديثة أيضاً على المعايير الغربية المزدوجة في مسألة حرية التعبير ما حدث في السويد مؤخراً عندما تم السماح لأحد الأشخاص وتحت حماية أمنية بحرق القرآن الكريم والإساءة إليه في مخالفة صريحة لضرورة احترام معتقدات الآخرين وعدم التعدي عليها وكان سبب سماحهم بوقوع تلك الحادثة ادعاؤهم بأنها ممارسة مشروعة لحرية التعبير ولا يجب الاعتراض عليها رغم أن فيها مخالفة واضحة للتعريف الغربي نفسه لحرية التعبير والذي يقول بأن ممارسة حريتك يجب ألا تكون على حساب المساس بحرّيات الآخرين.
إن مثل هذه المخالفات المناقضة لأبسط المفاهيم الإنسانية التي يزعم الغرب تبنيها تدعونا لعدم الانخداع بالتصريحات الغربية الخاضعة فقط للمزايدات والتنظير والتي تخالفها أفعالهم المادية والميدانية خاصة فيما يتعلق بحرية التعبير التي وللأسف أنخدع بها الكثير من أبناءنا وبناتنا جهلاً منهم بحقيقة الواقع الغربي ولا يكتشفون زور هذه الإدعاءات إلا حين يصطدمون بالواقع الغربي الحقيقي الخالي من الرتوش وعمليات التجميل والذي تشهد مجرياته بتبني الغرب لسياسة الكيل بمكيالين في معظم شؤونهم وخاصة حرية التعبير.
أخيراً ما يجب أن يعلمه الجميع وخاصة صغار السن بأن متابعة البروباغاندا الغربية والتسليم بمصداقيتها يتسبب في ضرر كبير تكون عواقبه في الغالب وخيمة نتيجة التسليم من قِبَل الكثير من أبناءنا وبناتنا قليلي الخبرة والتجربة بصحة ما تُشيعه هذه البروباغاندا لذا فإن علينا واجب تربوي ووطني ركنه الرئيس ضرورة توضيح التناقضات الغربية المتعلقة تحديداً بحرية التعبير وكيف أن هذه الحرية المزعومة هي في حقيقتها مجرد كذبة تؤكدها الكثير من المواقف الغربية وهي كذبة يجب التصدي لها وتعريتها حفاظاً على سلامة أمننا الديني والمجتمعي وتمكيناً لقدرة مجتمعنا على عدم الانخداع بها والوقوع في براثنها.