السعودية الجديدة تتصدى لأمريكا العميقة
أحمد بني قيس
@ahmedbanigais
لقد جمعت المملكة العربية السعودية علاقة وطيدة بالولايات المتحدة الأمريكية أمتدّت لثمانية عقود ونيّف وكما هو معروف فقد تعرضت هذه العلاقة للكثير من القمم والوديان ( Peaks and Valleys ) كما يُقال في عُرف السياسة الدولية ولكن تمكنت هذه العلاقة من تجاوز تلك التحديات والتغلب عليها إلا أنها تشهد في هذه الآونة ضغوطات ( strains ) "غير مسبوقة" أثرت دون أدنى شك على صلابتها المعهودة وقوة انسجامها .. وبداية تعرّض العلاقة السعودية الأمريكية لما أشرت إليه أعلاه من ضغوطات كان في زمن "الحقبة الأوبامية" التي شهدت الكثير من التراجعات الأمريكية والتضعضع في المواقف نحو السعودية كبلد وقيادة وشعب بل والمنطقة بأسرها وتجلّى ذلك التراخي في تبنيها لسياسة شرق أوسطية جديدة كان عرّابها الرئيس الأمريكي السابق "باراك أوباما" وأُطلق عليها في حينه مصطلح "الشرق الأوسط الجديد" ولكن تمكن العرب من إفشال هذه السياسة بفضل الله أولاً ثم بفضل السعودية والقوى الواعية المؤيدة لها.
وتحسنت العلاقة بين البلدين قليلاً في عهد الرئيس "دونالد ترامب" إلا أن هذا التغير في السياسة الاميركية المشار إليه آنفاً نحو السعودية تم إستئنافه مجدداً مع تسلّم الرئيس الأمريكي الحالي "جو بايدن" مقاليد الحكم بل وتصاعدت وتيرة هذا التغير وظهر ذلك في الحدّة البيّنة التي أظهرتها تصريحات "بايدن" وغيره من الساسة الأمريكان تجاه السعودية وقادتها خاصةً سمو الأمير "محمد بن سلمان" ..
ولعل سبب هذا التغير الرئيسي في النهج الأمريكي يعود لقناعة سابقة تم إثبات خطأها سعودياً تقول هذه القناعة بأن السعودية لا تمثل لأمريكا سوى مصدر أقتصادي يُوفر مصلحة أمريكية بحتة ولا يحتاج أن تبذل الولايات المتحدة جهداً كبيراً لتأمين الحصول عليه ..
وكم ظهر لها بأنها مخطئة في تبني هكذا تصور عندما غفل ساستها الجدد عن حقيقة أن السعودية أصبح لديها ملك جديد بسياسة جديدة تولّى الإشراف عليها وتنفيذها ولي عهد شاب طموح واثق من نفسه وقادر على قلب المعادلة وهذه الحقيقة هي التي أجبرت كما شهد العالم أولئك الساسة على التراجع عن كل تهديداتهم ومواقفهم المعادية للمملكة وفي مقدمتهم زعيمهم "بايدن" الذي أُجبر أيضاً على النكوث بوعده الشهير القائل بأنه سيجعل السعودية "دولة منبوذة" ..
ومن أبرز ملامح هذا التراجع الأمريكي إتخاذ عدد من الإجراءات تجاه المملكة طلباً لرضاها على رأسها قيام الرئيس الأمريكي "بايدن" (مرغماً) على زيارتها ومقابلة قيادتها وتحديداً سمو ولي العهد لمحاولة تأمين ودّه ومساعدته يُضاف إلى تلك الزيارة، توافد عدد من المسؤولين الأمريكان إلى السعودية خاصة أولئك الذين كانوا من أبرز مهاجميها ومنتقديها وذلك طمعاً في رأب الصدع الذين تسببوا فيه بعد أن أدركوا أنهم أمام قيادة سعودية جديدة ترفض وبشكل مطلق سياسة الإملاءات والتهديدات كائناً من كان صاحبها ...
أخيراً إن ما أثبتته الأحداث مؤخراً وجود مبدأ سياسي واقتصادي وتنموي ثابت يتبناه قادة هذه البلاد عنوانه الرئيس "السعودية أولاً" وهو مبدأ تقول الوقائع الميدانية الراصدة له بأن الجميع وأولهم حكّام وساسة أمريكا أصبحوا على علمٍ به وأصبحوا يدركون ضرورة مراعاته وأخذه بعين الإعتبار إن أرادوا أن تكتب السعودية نعمة الإستمرار لمصالحهم معها.