|

مبروكة الأُمية بين التربية والتعليم ..!

الكاتب : الحدث 2023-06-20 11:06:10

د/سلمان الغريبي
-------------------------


أحسنوا تربية ابناؤكم وبناتكم وتابعوهم وراقبوهم واتقوا الله فيهم ولا تجعلوهم عُرضةً للذئاب البشرية يتنقلون بهم ومعهم بين الكافيهات والمولات والأماكن المشبوهه .. إجعلوهم قدوة حسنة يَقّتدي بهم اقرانهم فتعُم المحبة والألفة والأخلاق الحسنة بينهم وبين افراد المجتمع ... واعلمي عزيزتي الأم بأنكِ لستِ مدرسة فقط كما يزعمون بل أنتي ارفع من ذلك بكثير في التربية والتعليم و جامعة للعالم بأسره إن احسنا إعدادها أعددنا شعباً طيب الإعراق كما وصفها الشاعر الكبير/احمد شوقي .. فصلاح الأبناء والبنات والمجتمعات يبدأ بعد توفيق الله سبحانه وتعالى من الأم وينتهي بها مروراً بالمدرسة والمجتمع والأب بحرصه ومتابعته ... فبعض الأمهات اصلحهن الله تُهنَ بين ملذات الحياة ومُغرياتها وبين صديقاتهن وسفراتهن وحفلاتهن ونسوا او تناسوا أنهن اساس المجتمع وقمة صلاحه وأن لهن واجبات عظيمة تجاه فلذات اكبادهن وقد يكُن سبباً مباشراً في ضياعهم وخرابهم وإنحرافهم عن الطريق السليم والدخول في نفق مُظلم لانهاية له ولا عودة فيه والله المستعان .. ولنا وقفة تقدير و إحترام  مع نموذجاً عظيماً يُحتذى به وأم مثالية تُشعرك بحلاوة الحياة والتربية الحقة التي يجب ان تكون عليها كل أم تسعى جاهدة لتربية ابنائها وبناتها وحفظهم من الضياع انها مبروكة خفاجي الفلاحة الأمية المُطلقة أم علي إبراهيم عطا والتي جعلت منه وزيراً وعالماً وخبيراً وعضو في البرلمان وأول نقيب للأطباء المصريين ومُنح الباشاوية لعلمه وأدبه وذكاءه .. والتي عملت معه هذه الأم الأمية الفلاحة البسيطة ما لم تعمله ام متزوجة وتحمل شهادات عُليا فربته وعلمته على احسن واكمل وجه وتعبت عليه وتنقلت به من مكان لمكان خوفاً عليه فمختصر تضحيتها ونجاحها و تحقيق ما كانت تصبو إليه وعملت من اجله انه وفي عام 1879 تزوجت مبروكة من فلاح مصري فقير وبسيط بكفر الشيخ ويعمل بالأجر اليومي .. وبسبب ضيق العيش والحال طلقها وهي حامل (بعلي) في الشهور الأخيرة .. فانتقلت للسكن مع والدتها وأخيها في الإسكندرية وانجبت هناك (علي) وعاهدة نفسها ان تعتني به وتتابعه وتعلمه أحسن تعليم وتجعله بعون الله يتقلد اعلى المناصب في الدولة وأن تبذل الغالي والنفيس من أجله وأن يكون هو هدفها الأول والأخير والأساسي في هذه الحياة ... وفعلاً تحقق لها ما أرادت بحسن تربيته وتعليمه من أجل هذا و الوصول به لبر الأمان فعملت بائعة جبن في شوارع الإسكندرية وضحت من أجله لإدخاله في احسن المدارس وادخلته مدرسة رأس التين الأميرية وتخرج منها وحصل على الشهادة الإبتدائية... وبعدها جاء والده ليأخذه ويوظفه بهذه الشهادة ويجعله يبيع مناديل عند الإشارات .. ولكن (مبروكة) كان حلمها اكبر من ذلك بكثير فقامت بتهريبه من سطح بيتها لسطح الجيران وهربت به للقاهرة رغبةً منها لإكمال تعليمه وتحقيق حلمها فيه .. فأدخلته المدرسة الخديوية في درب الجماميز وعملت هي عند اسرة ثرية تدعى اسرة (السمالوطي) لتستطيع ان تنفق على تعليم ابنها(علي) .. فتفوق إبنها على اقرانه في المدرسة واستطاع الحصول على منحة لدراسة الطب وتخرج من الكلية في عام 1901وبتفوق .. وبعدها مرض السلطان حسين كامل وأحتار الأطباء في علاجه ونوعية مرضه .. فاقترح عليهم الدكتور/ عثمان غالب الإستعانة بالدكتور/علي إبراهيم عطا إبن مبروكة الفلاحة الأمية .. وفعلاً جاؤوا به وباشر حالة السلطان ونجح في علاجه .. فعينه السلطان حين ذاك جراحاً إستشارياً للحضرة السلطانية وبعدها منحه الملك فؤاد الأول عام1922رتبة الباشوية وهي اعلى رتبة حين ذاك وتم تعينه كأول عميد مصري لكلية طب القصر العيني ثم رئيساً للجامعة .. وفي عام 1940 عُين وزيراً للصحة فعضواً في البرلمان المصري .. فأنظروا لهذه الأم المكافحة رغم فقرها وقلة حيلتها وأميتها وقهر زوجها لها وطلاقها ان تنتشل ابنها من بين براثن الفقر و الجهل والعوز وتعبر به الى بر الأمان وتجعله إنموذجاً مُشرفاً تتمناه كل ام في ابنها بعلمه وأدبه وقدمت للبشرية عالماً ومفكراً وخبيراً في عالم الطب والوبائيات .