|

( رائِحة الفَقْد )

الكاتب : الحدث 2023-04-15 06:23:38

مسعودة ولي

 

ذلك اليوم وأنا في قمة انتشائي بِتِلك الروائح الزكية كلها، لكن؛ ما أن شممتُ ذلك العطر الزيتي برائحة الفُل حتّى تَمَكّنَ مِني ذلك الحنين والفَقد؛ للسنوات العِجاف بِتِلك الرائحة التي شممتُها طويلًا وأنا أُقبِّل يده أو رأسه حتّى فقدتُ الرائحة وصاحبها والأمل بعودَتِهما…

الفقد، هذا الشعور الإنساني الأكثر وجعًا وتَعقِيدًا… فكُل بني آدم لابد أن له حِكاية مع فقدٍ ما؛ فقدٌ لوفاةٍ أو خصومة ورُبما لبُعدٍ لا حيلة للتقريب فيها.. والغريب عندما يكون الفقد لفترة زمنية بحد ذاتها؛ كَأَن يشتاق الإنسان لتلك المائدة التي كانت تضم كُل أفراد الأسرة يومًا ولو اجتمعوا الآن قلوبهم لم تَعُد كما في السابق امتلأت بكل ما يمكن أن يُبعِدهم عن تِلك المائدة وعن بعضهم البعض. و الأغرب عندما يفتَقِدُ الإنسان إنسانًا يعيش على مقربًة منه؛ يفتَقِدُ لروح شخص غُيِّب؛ رُغمَ أن جسده لازال هنا ولا زال يمارس العيش وليسَ الحياة، ورُبما الفقد حينًا يكون فقدان الذات والكيان …

الفقد، حينًا يأتي مُدويًا بضجيجٍ كبير ويكون قابِلاً للمواساة، وحينًا يأكل قلب الإنسان بِكُل صمت يُقطِّع صاحبه إرَبًا…

الفقد، تلك القطعة من الأُحجية المفقودة في قلب كل إنسان، يَظُن البعض أن الزمن كفيل بأن يجعل الإنسان ينسى، لكن؛ الحقيقة بأن الإنسان يَعتَاد الألم ويتأقلم معه لكنّه لا ينسى أبدًا…

الفقد، ذلك الشعور الذي لا مُساومة على أنّه الأقسى من بين كل المشاعر؛ الأُم الثَكلى التي تبكي مع كل ذكرى عابرة لِفَلذة كبدها، الطفل الذي فقد أحد والديه ولو كان كبيرًا ففقد الأبوين يجعل من الناضج طفلًا أثناء الفقد حتّى يشيخَ فجأة.. 

الفقد،  لا يحتاج لتبريرات منطقية لأنه ليس أمرًا مرتبطًا بالعقل بل ألمًا في القلب بحاجة إلى التَربِيت والمواساة..

"لستُ وحدي أُعاني، كُلنا مررنا بفقدٍ ما، طَبَعَ على حياتنا وحَرَفَ مسارها عمّا خططنا له وعَمَلنا لأجله، كلنا عايشنا تلك الخسارة الممزوجة بشعورٍ مخيف بِتَوقُف الحياة"

أن يكون الجَبرُ حليفنا والتعافي طريقنا والتعايش مَنهَجُنا.