ما قبل وما بعد قيادة المرأة للسيارة
أحمد بني قيس
@ahmedbanigais
تتفاوت قدرة المجتمعات على استيعاب المستجدّات كلٌ حسب مقدار تطوره الفكري والحضاري وأيضاً حسب مقدار معرفته السليمة بمدى قدرة عقيدته أو مبدئه أو حتى ديانته على التعايش مع تلك المستجدّات والاستفادة منها ولكن المعضلة تحدث عندما يستند رفض تلك المستجدّات على مخاوف وترّهات في مجتمع معين أثبت واقع المجتمعات الأخرى أن لا أصل لها وأنها لا تمثل أي خطر حقيقي يجب الحذر منه.
ومن بين هذه المستجدّات التي طرأت على المجتمع السعودي في وقت سابق قضية قيادة المرأة للسيارة حيث كان مجتمعنا في حينه المجتمع الوحيد في العالم الذي يمنع المرأة من قيادة السيارة بناءً على مبررات دينية كانت مقنعة في وقت من الأوقات لوجود أمرين الأمر الأول سيطرة أفراد وجماعات "الصحوة" الذين كانوا يُمارسون الإرجاف والتهويل بل وحتى الاتهام بالردّة عن الدين حال سُمح بقيادة المرأة للسيارة والأمر الثاني ضعف العلم الشرعي الصحيح عندهم وعند شريحة واسعة من المجتمع المؤمن بأفكارهم.
علماً بأن تاريخنا المجتمعي والديني يشهد بأن المرأة كانت تستخدم وسائل النقل القديمة كالجمال والبغال وغيرها حالها في ذلك حال الرجل دون أن يشكل ذلك أي هاجس أو خوف ولم يعترض على ذلك لا النبي محمد صلى الله عليه وسلم ولا أصحابه من بعده رضي الله عنهم ولا السلف الصالح كبيرهم وصغيرهم.
ولتوضيح مدى الأزمة الفكرية والمنهجية المتعلقة بقيادة المرأة للسيارة التي كان يعيشها الكثير من أبناء وبنات مجتمعنا في تلك الحقبة سالفة الذكر أنني ومن تجربة شخصية عايشتها خلال مراهقتي في تلك المرحلة إيماني بأن "القيامة ستقوم" حرفياً حال سُمح للمرأة بقيادة السيارة من شدة الترهيب الذي كان يُمارس علينا وتصوير ذلك الأمر وكأنه كبيرة من الكبائر الموجبة لسخط الله علينا وتنكيله بنا حال تمت الموافقة عليه والسماح به.
ولقد ظل ذلك الحال البائس قائماً إلى أن أتى عهد المجدد الملك سلمان بن عبدالعزيز حفظه الله وسمو ولي عهده الأمير محمد بن سلمان الذي تمكن وبتكليف مباشر من والده الملك سلمان من وأد ذلك المرض المستفحل والقضاء عليه بفرض السماح للمرأة بقيادة السيارة الأمر الذي صدم المجتمع إيجابياً وأسلوب الصدمة كما هو معلوم هو أسلوب طبي ناجع ومعتمد أثبت فعاليته في علاج الكثير من المعضلات الفردية والمجتمعية.
وما يعزز أن كل ما أشرت إليه من تخويف وتهويل حول هكذا موضوع لم يكن سوى أوهام وخيالات ما أنزل الله بها من سلطان حيث أصبحنا نرى المرأة اليوم تقود السيارة بكل أمن وأمان دون أن يعترض سبيلها أي خطر أخلاقي أو أمني وهو ما ساهم وبشكل كبير في دحض وتفنيد كافة المزاعم والتوجسات السابقة وكشف أنها ليست سوى خرافات أثبت الواقع أن لا محل لها من الإعراب.
ما يجب أن يُقال أخيراً وبوجه عام أن الله رزقنا ولاة أمر أثبت واقعهم وقراراتهم أنهم دوماً يسبقون مجتمعهم بخطوة أن لم يكن بخطوات وتاريخ هذه البلاد يشهد بذلك فنحن لو لم نتمتع بوجود هكذا قيادة ولو ظل نفوذ "الصحوة" ومثيلاتها قائماً لأستمر حالنا على ما كان عليه من بؤس حال ومال وتشرذم وسوء منقلب فالحمدلله على هذه النعمة التي منّ الله علينا بها ونسأله سبحانه أن يديمها ويحفظها