زلازل تركيا وسوريا ماذا استفدنا منها.
بقلم : عثمان الأهدل ..
بغض النظر عن ما أحدثته الزلازل بتركيا وسوريا وحجم الكوارث التي خلفتها، فإن هناك أصوات بدأت تتعالى في أوساط الإعلام وساحات التواصل الاجتماعي على أن تلك الكوارث المتعاقبة المدمرة بما فيها من كلمات تهويل لا تكفي لوصفها، أنها أعمال تآمرية يريدون بها تدمير تركيا وإرباك المنطقة، وقد اُشهرت فيها أصابع الاتهام إلى الولايات المتحدة الأمريكية، وأقصد هنا عن سلاحها الفتاك الذي تستخدم فيه طاقة موجة كهربائية هائلة تحدث فراغًا في الجو وتعمل على انفجاراتٍ عكسية، تمامًا كما حدثت في كارثة الرياض بطريق خريص حينما انقلبت ناقلة غاز احترقت وأحدثت انفجارًا عكسيًا هدمت المباني والخدمات المجاورة بها خلفت وراءها آلام مفجعة.
والضوء الذي ظهر في مناطق الزلازل قبلها بلحظات قليلة يزيد في النفس من الريبة والشكوك نحو ذلك الاتهام، وهذا لا يعني أنني أذهب إلى ذلك المذهب ولا أُنكر، ولكن ما أعرفه أن هناك زلازل قد حدثت وقتلت العديد من البشر وحشدت عدد مخيفًا من المصابين بالمستشفيات،. ولازال أعداد الموتى في ازديادٍ مضطرد نسأل الله منه اللطف والرحمة، ويقول المثل الشعبي ؛" اليوم الخبر بفلوس وغدًا ببلاش"، وإن غدًا لناظره قريب، فلا شيء يبقى تحت الركام فإن له وقتٌ ويطفح إلى السطح، مثله مثل التواريخ المزيفة التي طفحت وفضحت أصحابها.
وما يحدث وحدث على مر العصور جلها امتحان من عند الله سبحانه وتعالى وهي سنن كونية يمحص الله فيها البشر، فلله الجنود جنود السماوات والأرض: {وَمَا يَعْلَمُ جُنُودَ رَبِّكَ إِلَّا هُوَ}، لا يعلم عددهم إلا هو سبحانه، وقال ايضا سبحانه؛ {وَلِلَّهِ جُنُودُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْض}، فالبحار جندٌ من جنده، تستأذنه سبحانه كل يوم لتغرقنا والأرض لتبتلعنا والسماء كذلك، ولكن رحمة الله بنا تحيل بين ذلك. قال الله تعالى؛{إِنَّمَا مَثَلُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا كَمَآءٍ أَنزَلْنَاهُ مِنَ السَّمَآءِ فَاخْتَلَطَ بِهِ نَبَاتُ الأَرْضِ مِمَّا يَأْكُلُ النَّاسُ وَالأَنْعَامُ حَتَّى إِذَآ أَخَذَتِ الأَرْضُ زُخْرُفَهَا وَازَّيَّنَتْ وَظَنَّ أَهْلُهَآ أَنَّهُمْ قَادِرُونَ عَلَيْهَآ أَتَاهَآ أَمْرُنَا لَيْلاً أَوْ نَهَاراً فَجَعَلْنَاهَا حَصِيداً كَأَن لَّمْ تَغْنَ بِالأَمْسِ كَذلِكَ نُفَصِّلُ الآيَاتِ لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ}.
ذهبت كل وسائل الإعلام وخبراءها من العلماء في علم الجيولوجيا بمبررات قد تكون حقيقة من وجهة معتقداتهم الضيقة لطبيعة خلق الله في الكون بأن تركيا تقطن فوق الحزام الناري لسطح الأرض، وبهذا هي دائمًا عرضةً للزلازل تحرك الصخور التي تحدث تشققات على قشرة الأرض، ويعتقدون أن الجزيرة العربية في منأى عن ذلك، ونسوا أنه وقع زلزالٌ في عهد أمير المؤمنين عمر بن الخطاب رضي الله عنه في عام عشرين للهجرة، فقال والله ما وقعت هذه الرجفة إلا لأمر أحدثتهُ أو أحدثتموه، فوالله لئن عادت لا أساكنكم فيها.
وأطرح سؤلًا هنا، ماذا تعلمنا من هذه الكوارث ونحن لسنا ببعدين عن تلك المناطق، هل اتعظنا وعرفنا الحق، أم مازلنا في غفلتنا، أذكركم وأذكر نفسي في المقام الأول فأنا لست بخياركم، ولكن هي كلمات لعل الله يُكفر بها عن ذنوبي. وما أسعدني حقًا في هذا المصاب الجلل هو الوقفة الشعبية لهذا البلد المعطاء، "الوقفه الشعبية السعودية" التي عهدناها وعهدها كل مسلم على البسيطة، نسأل الله أن يجعل ذلك في موازين حسناته ولشعبه السؤدد والتقدم والازدهار، فهذا ليس بغريب على بلد يحمل كل سمات الطيبة والرحمة، مهبط الوحي ومركز الإسلام، فلا ينسى كرم هذا البلد الذي بدأ منذ بزوغ فجره، إلّا كل ناكرٍ للجميل وفاجر حلّاف مهين.
ما حدث في هذه الكارثة الإنسانية وبغض النظر عن الخسائر الفادحة في المباني هي كارثةٌ يجب أن نعيد النظر فيها ونتخذها درسًا حتى لا نكون في مأمن من هذه الطبيعة التي يقلبها الله بين أصابعه كيفما شاء، يجب أن تكون درسًا لنا لنتقرب إليه أكثر مما نحن عليه، فالإنسان لا شك هو كائنٌ ضعيف في خلقه وخلقته وتجذبهُ مغريات الدنيا، ولكن الكيس من دان نفسه قبل الممات واتعظ بما يحدث من حوله، تجعلهُ يعود إلى خالقه، فقد قال الله تعالى ؛{ وما خلقت الجن والإنس إلّا ليعبدون}, فهذه هي وظفتنا الأساسية في الدنيا، فإذا ابتعدنا عنها لن يكون لنا مقامٌ يذكر، ولا سيما نحن العرب أضعف من أعداءنا بالعدّة والعدد، وقد قيِل في الأثر وذُكر في بعض الكُتب أنها عن سيدنا عمر بن الخطاب رضي الله عنه، إذ قال لسعد بن معاذ ؛{يا سعد ، اعلم أن ذنوب الجيش أخوف عليه من عدوه، وأننا ننتصر على عدونا بطاعتنا لله ومعصية عدونا له، فإذا استوينا في المعصية، كانت لعدونا الغلبة، بالعدد والعُدّة}، وبغض النظر عن صحة نسبة تلك المقولة لأمير المؤمنين الفاروق، فإنها واقعٌ حقيقي، فكثرة المعاصي تزيل النعم، ومنها زوال خشية أعدائنا منا.
ورب ضارة نافعة، فهذا الحدث بين معدن البشر و آخ بين المسلمين بين العربي والعجم، بين أُخوة الدين والمصير المشترك، فقد أشاد الرئيس اردوغان بمواقف السعودية واعتبرها من أكثر الدول سخاءً وعزوة جنبًا إلى جنب مع قطر والكويت، ولا سيما أن موقف السعودية هو الأهم في اعتقادي لكونها مهبط الوحي وخادمة الحرمين الشريفين، وهذا الحدث بَيّن معدن هذه الدولة الفتية حفظها الله من كل مكروهٍ وأعزّها. ولا ننكر أن أعداء الأمة قد يتحينون الفرص للنهش بجسد تركيا الجريح الذي أعيته الزلازل. وقد رأينا ذلك من جريدة شارل ايبدو الفرنسية تعطي درسًا للعالم في الكراهيه و الشماته و الحقد ضد تركيا وتقول أننا لا نحتاج إلى ارسال دبابات، حقارةً منها ما بعدها حقارة.
فالله يمهل ولا يهمل ويقلب الدنيا كيفما يشاء، اليوم علينا وغدًا عليهم و سوف نشمت بهم أيما شماتةً، فهم من بدأوا. نسأل الله أن يعننا على ما نحن عليه وأن يهدينا سبُلنا وأن يُرينا الحق حقًا ويرزقنا اتباعه، وأن يُرينا الباطل باطلًا ويجنبنا اتباعه، وأن يجعلنا نتبع أحسن القول ويعننا على فعل كل ما يزيدنا سؤددٍ ورفعة إنه ولينا ومولانا ولا غيره مولانا. والله غالبٌ على أمره ولكن أكثر الناس لا يعلمون.