|

عقوق الأم .. والميت الحي

الكاتب : الحدث 2023-01-17 12:12:46

د/سلمان الغريبي
-------------------------
دخلت عَليَّ المكتب وهي تحمل بين حناياها تعب السنيين وقساوة الزمن وملامح وجهها يعتصرها ألماً وحسرة مما حل بها ومِن مَنّ مِن أقرب الناس لها .. ابنها الذي تركها وحيدة تُصارع قساوة هذه الحياة بمفردها ..  إرتحل عنها مع زوجته الأجنبية لمنطقة أخرى إرضاءاً لزوجته والخوف على زعلها وراحتها والبعد عن أمه وعقوقاً لها .. ارتحل ولم يردعه وازع من دين او رحمة وشفقة بها وتركها وحيدة بين أربعة من الجدران لا ونيس ولا صديق يرأف بها وبحالها وكِبر سنها ... وقالت : ياولدي رفضوا تحديث ملفي الطبي فسألتها وملفك يتبع لمن من المنسوبين زوج أو قريب فتنهدت وقالت : إبني فقلت : لها ولماذا لا يأتي ومعه الأوراق المطلوبة لتحديث ملفك؟! فقالت: إبني الميت الحي فاستغربت من قولها كيف ميت وهو حي قالت ياولدي لاتسألني وأبكي لك فعيني إبيضت والدمع تحجر بهما من كثرة البكاء .. ابني هجرني من سنتين ولم يعد يسأل عني واعتبرته في عداد الموتى وهو في الحقيقة حي ،الله يصبرني على الفرقه والله يصبرني على هذه الدنيا ويعينني ويرأف بحالي .. وعندما اتصل عليه لايرد على إتصالاتي إشترى رضا زوجته و متاع الحياة وباعني بِرخص ونسي البر ولم يرحم كِبري الله يهديه .. حتى في عيد الله السعيد ياولدي مافكر يزورني ويعيد عَليّ ويسألني محتاجه شيء ..!
معقول وصل الحال بهؤلاء إلى هذه الدرجة لا وازع ديني ولا رحمة أو شفقة بمن حملته تسعة أشهر وسهرت عليه حتى أصبح شاباً مُكتمل الرجولة ...
حقيقي شيء مُحزن ومُبكي في نفس الوقت أن وصل العقوق إلى هذا الحد ابن لايزور أمه بالسنين ولا يسأل عنها وإجازاته يقضيها كُلها دائماً عند أهل زوجته الأجنبية على حد قولها ... للأسف الشديد كثر في هذا الزمان أشكال عقوق الأمهات و البعد عنهن نتيجة للبعد عن الدين وكثرة مغريات الحياة  وتهافت الناس على المائدة بشراهة متناهية دون النظر للحلال منها والحرام وأصيب المجتمع في هذا الزمان بالكثير من الأمراض ولعل أهمها هو نسيان ونكران الجميل مع الأم والأب والاقربون ومقابلة الإحسان بالإساءة ويتبلور هذا المرض في عقوق الأمهات والإساءة إليهن ونسمع دائماً الكثير والكثير من الأخبار عن ضرب الأبناء لأمهاتهن والإساءة إليهن ومعاملتهن معاملة سيئة وبقسوة وأصبح للأسف الشديد واقع نعيشه ونراه كل يوم ونسمع عنه ..! فالأم تسهر لأجل ابنها أو بنتها ولا تجد مقابل ذلك إلا الإهانة والإساءة بالألفاظ النابية والغضب والهجر ونكران الجميل ... ألا يعلم هؤلاء بأن ديننا الحنيف حثنا على بر الوالدين والرحمة بهم واحترامهم واعتبر عقوق الآباء والأمهات من الذنوب العظيمة وجاءت الكثير من النصوص القرآنية تحثنا على بر الوالدين والإحسان إليهم إن عقوق الوالدين من الذنوب العظيمة التي يجب على المؤمنين التوبة منها فقد أمرنا الله تعالى ببر الوالدين حتى لو كانا كافرين يقول الله سبحانه وتعالى في سورة الأحقاف : (وَوَصَّيْنَا الْإِنسَانَ بِوَالِدَيْهِ إِحْسَانًا ۖ حَمَلَتْهُ أُمُّهُ كُرْهًا وَوَضَعَتْهُ كُرْهًا ۖ وَحَمْلُهُ وَفِصَالُهُ ثَلَاثُونَ شَهْرًا ۚ حَتَّىٰ إِذَا بَلَغَ أَشُدَّهُ وَبَلَغَ أَرْبَعِينَ سَنَةً قَالَ رَبِّ أَوْزِعْنِي أَنْ أَشْكُرَ نِعْمَتَكَ الَّتِي أَنْعَمْتَ عَلَيَّ وَعَلَىٰ وَالِدَيَّ وَأَنْ أَعْمَلَ صَالِحًا تَرْضَاهُ وَأَصْلِحْ لِي فِي ذُرِّيَّتِي ۖ إِنِّي تُبْتُ إِلَيْكَ وَإِنِّي مِنَ الْمُسْلِمِينَ) وفي سورة الإسراء : (وَقَضَىٰ رَبُّكَ أَلَّا تَعۡبُدُوٓاْ إِلَّآ إِيَّاهُ وَبِٱلۡوَٰلِدَيۡنِ إِحۡسَٰنًاۚ إِمَّا يَبۡلُغَنَّ عِندَكَ ٱلۡكِبَرَ أَحَدُهُمَآ أَوۡ كِلَاهُمَا فَلَا تَقُل لَّهُمَآ أُفّٖ وَلَا تَنۡهَرۡهُمَا وَقُل لَّهُمَا قَوۡلٗا كَرِيمٗا ¤ وَٱخۡفِضۡ لَهُمَا جَنَاحَ ٱلذُّلِّ مِنَ ٱلرَّحۡمَةِ وَقُل رَّبِّ ٱرۡحَمۡهُمَا كَمَا رَبَّيَانِي صَغِيرٗا) صدق الله العظيم .
وأخيراً (ونة ونداء أم) :
زورني في السنة مرة 
حرام تنساني بالمرة
انا حملت وشلت و أرضعت
 وحطيت وتعبت عليك ...
أنا من راحتي وسهر الليالي عليك .. اذا مرضت ما أنام حتى تنام وتغفى عينيك واطمن عليك ...
وإذا خرجت ما ارتاح حتى تلمح عيوني دخلتك من باب البيت ...
كل هذا ما استاهل زيارة تطمني عليك ...
انا ما اخاف على نفسي انا برضو أخاف عليك ...
يقسى عليك الولد والزمان وتدهور حالتك من غضبي عليك ...
ارجع لنفسك وخاف ربك .. أنا كُل ما أرجوه زيارة تجبر بخاطري عشان ربي يرضى عليك وأنا أطمن عليك ...
نداء من أمك قبل فوات الأوان ويتغير الحال والزمان عليك .