|

العلاقة العضوية بين الإسلام والديمقراطية 

الكاتب : الحدث 2023-01-14 10:54:12

بقلم : عثمان الأهدل …

لا شك أن الإسلام هو منبع الحضارة والتقدم، ولا سيما أنه بُعث للعالمين كافة، و الفكر الديمقراطي كنظام حكم هو منهج سامي إذا كان منبعه من معين الحضارة  الإسلامية، وخصوصًا المبادئ التي غُرست في العهد النبوي ونبت زرعها في عهد الخلفاء الراشدين الأربعة رضوان الله عليهم، هي مبادئ تمثل الديمقراطية على أصولها وكما ينبغي، حتى في عهد النبوة رغم أن سيدنا محمد نبي ورسول من خالق الكون كان يستشير أصحابه في أمور الدنيا ولا سيما التي تخضع فطرتها لخبرات وممارسات البشر، وحصل في غير مرةٍ أنه عدل عن بعض قرارته حينما يُصيب الآخرين. 

واستنادًا إلى بعض المراجع التاريخية، يتضح أن النظام الديمقراطي في الأساس هو نظامٌ قديمٌ يمتد إلى العهد اليوناني في زمن أفلاطون أي في القرن الخامس قبل الميلاد، هو مصطلح اغريقي معناه "سلطة الشعب"، غير أن في الواقع الديمقراطية كانت محدودة لطبقة النبلاء فقط، إضافة إلى ما كان يشوبها من عيوب إزاء اتجارهم بالرقيق كجزء من ضروريات الاقتصاد، ولهذا لم يدم هذا النظام بعد أن زادت سطوة الكنائس ورجال الدين على مفاصل الحياة التي طغت فيها مظاهر الاستبداد السياسي مستغلين ثورة المستضعفين، انتقامًا من ديمقراطية أثينا نظير الطبقية التي كانت رائجة بينهم آنذاك.

بينما الإسلام غرس الديمقراطية الحقيقية في الشعوب المسلمة جعل جميع الفئات تشارك في بناء نظام الحكم، وكان ذلك ظاهرًا في صدر الإسلام تحلّوا بمبادئها السامية الربانية مكوّنةً حضارة أخلاقية لا تضاهيها أيّ حضارةٌ أخرى، حتى أنه لم يُمنع الفرد من ابداء رأيه في السياسة بما يحفظ حقوقه كفرد من المجتمع نهجًا على السّنة العُمرية التي أرساها سيدنا عمر رضي الله عنه, مدركًا أن مشاركة الشعب ضرورة ملحة للحفاظ على الحكم متماسكًا، وإدراكه التام أن سبب إنهيار الأمم هو في ازدياد شق الخلاف بين الحاكم والمحكوم. 

أما المواضيع الاستراتيجية التي لا ينفع فيها رأي الفرد ولا يُسمن ولا يغني، فقد أوكل الإسلام أمرها لعقلاء القوم وحكماءها من أهل الحل والعقد من صفوة القوم تحت مظلة مجلس الشورى تأسيًا بقول المولى عزوجل ؛ {وَالَّذِينَ اسْتَجَابُوا لِرَبِّهِمْ وَأَقَامُوا الصَّلَاةَ وَأَمْرُهُمْ شُورَىٰ بَيْنَهُمْ وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنفِقُونَ}. فهذا المجلس هو صمام الأمان يُرسي مبادئ السياسة الداخلية والخارجية تحت مظلة البيعة التي توجب لصاحبها السمع والطاعة طالما أقام العدل والانصاف، هذا من جانب.

ومن جانب آخر، أن الإسلام كان له أثرًا بالغًا في نهضة الديمقراطية في أوروبا وعودتها من جديد إزاء الفتوحات الإسلامية التي نقلت الحضارة الإسلامية بكل ما لديها من معاني ترفع من الحياة الاجتماعية وتهذبها، فارتقت تلك الشعوب وغُرست فيها مبادئ الحرية ومحاربة الاستبداد والاستعباد، تَكفلُ للفرد إبداء الرأي بكل أريحية ضمن إطار اجتماعي أخلاقي مبدأهُ "لا ضرر ولا ضرار". 

ولكنها مع الزمن انحرفت عن مسارها القويم بعد أن دخل فيها الفكر الليبرالي وتبنت الشعوب عبودية من نوعٍ آخر متمثلةً في الانقياد خلف نزعاتهم النفسية دون قيود، ناهيك عن انجرارهم نحو الاغراءات الهدامة تماشيًا مع الخطط الشيطانية، وبهذا بدأت الشعوب الأوروبية تدخل في عصرها المظلم الذي قد تفقد فيه وجودها ككيان حضاري مؤثر، وقد لمسنا  ذلك في تشريعاتهم التي تنافي الفطرة البشرية وتشمئز منها النفوس والتي تنص على حماية أصحاب الشواذ الجنسي حتى تعدى ذلك بمحاولة نشر هذا السلوك في بلدان أخرى، ليس هذا فحسب، ففي الماضي القريب، توشح البيت الأبيض في أمريكا، وفي سابقة لم تحدث من قبل، بعباءة اللواط، التي يسمونها ظلمًا بالمثلية الجنسية، مراعاة لمشاعر هؤلاء الفاسقين، وصدق أمير الشعراء أحمد شوقي حينما قال ؛"انما الأمم الأخلاق ما بقيت، فإن هم ذهبت أخلاقهم ذهبوا". 

ومفهوم الديمقراطية في الإسلام له ضوابطه وليس كالديمقراطية الغربية في وقتنا الحالي، التي أرتبطت عند الأغلبية بحرية الرأي دون قيود قد يصل بهم إلى حد التطاول والفوضى، وهذا ما أدركه كولن دلسن، إذّ قال ؛"الحرية مدمرة إن لم تصحبها المعرفة والشعور بالمسؤولية".

وقد التبس على كثيرٍ من المفكرين ولا سيما رجال الدين حتى أصبحت الديمقراطية والليبرالية شيئًا واحدًا في نظر العديد منهم، الأمر الذي جعلهم ينظرون إلى الديمقراطية من منظور ضيق، دون أن ينظروا إليها بمنأى عن الليبرالية التي جردتها عن سماتها الراقية، ينبذونها جملةً وتفصيلًا ودون النظر في أوجه التشابه بين الديمقراطية الحقيقية ومبادئ الإسلام، وقد خالفهم في ذلك المفكر والكاتب الجزائري "مالك بن نبي" الذي وضّح بالتفصيل وأصّل ماهية الديمقراطية في الدين الإسلامي باسلوب باتع في كتابة "القضايا الكبرى". 

وفي الجانب الآخر ذهب أصحاب العلمانية في أن أوجه الاختلاف بين الديمقراطية والحكم الإسلامي هو لاختلاف المعتقدات لدى الشعب الواحد، فهناك ذميون لا يحتكمون بالتشريع الإسلامي ولا ينبغي حسب ادعاءهم، مع أن التشريع الإسلامي في الأساس صالح لأن يُطبق على جميع فئات البشر بغض النظر عن معتقداتهم طالما أنهم تحت حكم إسلامي يأمر بالعدل والإنصاف، ورأينا أمثلة حية في عهد الخلفاء الراشدين، وكيف أن تعاملهم كان لا يفرق بين الكفرة والمسلمين كلهم سواسية على حدٍ سواء، ودون المساس بمعتقداتهم وطُرق عبادتهم، على مبدأ {لكم دينكم وليّ دين}.

فالديمقراطية لا تعني التعدي والفوضى وبث الاحتجاجات، الأمر الذي قد تُستغل فيه من ضعاف النفس لغايات شيطانية، فالحرية في إطارها الديمقراطي حدودها في عدم الإضرار بالآخرين سواءً لفظيًا أو حتى جسديًا، كما أن الضوابط الأخلاقية للحفاظ على المظهر العام في الملبس والتصرفات وفق بيئة محافظة لا يخرج عن مبدأ الديمقراطية. ودعاة الديمقراطية لا تصلح في بلداننا بسبب عدم ممارستها من قبل، هي دعوات واهية لا أساس لها من الصحة، فالأمر فيه متسع وفسحة، فبدلًا من أن ننبذ كل ما تم تحريفه من الأمم الأخرى وهو في الأساس لا ينافي الفطرة البشرية، يفترض أن نتبناه ولكن بعد إعادة صياغته وإرجاعه إلى وضعه الطبيعي وإزالة كل شوائب التي علقت به. 

فقد حدث في غيرة مرةٍ أن الأمة تخلفت وبعُدت عن عمقها الحضاري الديني بسبب التمدد الجغرافي الذي حصل لها، ولا سيما أن أمم وحضارات اندمجت معها عبر الفتوحات الإسلامية كانت لا تدين بالإسلام، ورحمة من الله لهذه الأمة يأتي على رأس كل مئة عام من يجدد لها دينها، كما جاء في الحديث الذي روي عن سيدنا محمد عليه أفضل الصلاة والسلام، إذّ قال ؛{إن الله يبعث لهذه الأمة على رأس كل مائة سنة من يجدد لها دينها}. وضُعف الديمقراطية في ديارنا هو نتيجة لبُعدنا عن مبادئ ديننا الحنيف، فانتشر بيننا مبدأ الأنانية، الذي نستطيع أن لحظه وبكل يسر في الطرقات أثناء قيادة السيارة على سبيل المثال، لا إحترام للقوانين ولا إحترام للآخرين وتوزيع الشتائم وقذف الكلمات الجارحة سداح مداح وقد يتعدى الأمر إلى الايذاء الجسدي، الأمر الذي جعل أعداؤنا يستغلون ذلك حتى وصل الأمر  إلى الصاق تهمة الهمجية والارهاب بنا للأسف الشديد.