|

الإنسان ابن بيئته

الكاتب : الحدث 2022-12-22 08:48:52

بقلم : عثمان الأهدل …

يُقال "أن الإنسان ابن بيئته"، تصديقًا لقول سيد الأنام عليه أفضل الصلاة والسلام ؛{كلُّ مولودٍ يولَدُ على الفطرةِ فأبواه يُهوِّدانِه أو يُنصِّرانِه أو يُمجِّسانِه}, فالإنسان يتأثر بالأفكار والمعتقدات التي تحيط به، فتجعله أسيرًا لها، بما فيها التأثير على حالته الاجتماعية التي قد تشكل مستقبله، ولذا نجد فئة من الناس استطاعت أن تشق طريقها في الحياة بنجاح، بينما فئة أخرى استحسنت أن تعيش في قيعان الحفر والظلام بغض النظر عن الأسباب. 

وقد قِيل في الأثر ؛ "من جاور السعيد سعد"، فهذه حقيقة فالمرءُ يتأثر بمن جاور، وقد جرت العادة أن يقال ؛"من عاش مع قوم أربعين ليلةً صار منهم"، ولا أعلم صدقًا هل أربعين ليلة كافية لتحويل طبائع الإنسان، هذه المقولة نحتاج إلى سبر أغوارها تاريخيًا، فلا يوجد دخان بلا نار. و بغض النظر عن ذلك فإن اختيار الصحبة الصادقة الناجحة لها أثرٌ على الإنسان كما ذكر ذلك الصادق الصدوق سيدنا محمد عليه أفضل الصلاة والسلام في حديث بائع المسك ونافخ الكير. 

وبما أن الفرد هو اللّبنة للمجتمع فإن عليه أن يأخذ في الاعتبار أن المسؤولية في المقام الأول تقع على عاتقه، فهو من يشق طريقه بنفسه إلى أن يجد البيئة المناسبة التي تجعل منه إنسانًا مفيدًا و مؤثرًا، فلا ينتظر أن يأتيه المستقبل على طبقٍ من ذهبٍ، فالدنيا تؤخذ غِلابةً، ولا أن يتخذ تقصير المجتمع شماعةً لفشله، بل عليه أن يضرب في الأرض شمالًا وجنوبًا، ويرتحل إلى بلدانٍ ومدن قد يجد فيها من الفرص التي لم تتوفر في موطنه.

ولا أن يكون كالشعوب التي ترعرت تحت نير الاستعمار، بنى كل وسائل التحضر المادي على أراضيهم لرفاهيته هو  لا لأجل أعيونهم، فنشأ جيل للأسف فاقد لهويته يتغنى بإنجازات لم يصنعها بيده، بل أن تلك الانجازات تحولت إلى ركام من الرماد عندما آلت إليه وكأنها جوهرة آلت بيد فحّام، وزاد الطين بلة أنهم استمروا في التباهي بتلك الاطلال على غيرهم حتى تعطلت لديهم عقارب الساعة ووقف التاريخ في تلك الصفحة "صفحة الاطلال" التي لا تُغني ولا تُسمن.

ولو قرأنا جيدًا في صفحات التاريخ لاتضح لنا جليًا أن حضارتنا  الاخلاقية التي غرسها ديننا الحنيف في أجدادنا هي من بنت حضارتنا المادية والتي ازدهرت  أيام الدولة العباسية بالتحديد، ولكن مع تهاوننا وتخلينا التدريجي عن حضارتنا الأخلاقية، طفى حب الدنيا وظهر جليًا على السطح بين الأجيال اللاحقة والتي كانت السبب الرئيس في تفتت الدولة إلى دويلات صغيرة حتى ابتلعها مارد عَظُمَ شأنه فجأةً شَخِصَ في الدولة العثمانية، التي قضّت مضاجع الغرب وامتدت إلى أراضيهم بمساحات شاسعة. كانت دولة قومية سلجوقية توشحت بغطاء الإسلام وأخلاقه.

والغريب في الأمر أن عثمان بن ارطغرل المؤسس لهذه الامبراطورية كان أصلًا من العرب كما جاء في بعض المصادر، فقد قرأتُ كتابًا يتحدث عن أصوله العربية  للدكتور ياغي ذو الأصول التركية ولد ونشأ بفلسطين، ليس ذلك فحسب بل أن في أحد البرامج بقناة المجد حضرهُ أحد الإعلاميين السورين منذ فترة يُدعى محمد بايزيد، فسأله المذيع وهو يمني الجنسية من حضرموت عن اسمه "بايزيد"، فاخبره أن هذا الإسم ليس له علاقة بالأصول الحضرمية، هو لقب السلطان العثماني محمد بايزيد والمعروف بمحمد الفاتح وهذا المذيع من أحفاده كما ادعى ومعنى "بايزيد النور" كونه من سلالة الحسين بن علي رضي الله عنهما. وهذا يؤكد رواية الدكتور ياغي الذي لا أتذكر اسمه الأول، فقد فقدتُ كتابهُ مع الأسف الشديد، وطبعًا من سابع المستحيلات أن الأتراك يعتروفون بذلك.

فكتبنا التاريخية أعزائي القراء محرفةً وبها من التدليسات التي تمجد غيرنا، ولا سيما أن الأرشيف البريطاني معظم وثائقه افتراءً على المسلمين وبالأخص العرب. وما أود التركيز عليه في هذا المقال، هو أن الإنسان يجب أن يبحث عن أسباب تقدمه وتطورهُ في هذه الحياة ولا ينتظر أن ينزل عليه المنّ والسّلوى من السماء ولا أن يعيش على الأطلال التي لم يصنعها بنفسه، ولا يستسلم لقدرٍ يقوده كيفما شاء، فهذه ليست سنة الله التي يريدها لنا، بل يجب أن نتسلق الصعاب، فالله حثنا أن نسعى في الأرض فهو من جعلها ذلولةً ومهدها لنا وبث فيها من الأرزاق نقطف منها ما نشاء، حتى نرسم بصماتنا عليها.

فقد قال جل جلاله للملائكة ؛{إني جاعلٌ في الأرض خليفة} وهذه الخلافة أولى بها المسلم فهو من يجعل المحكومية في الأرض لله خالصةً يبسط عليها العدل والانصاف. وهاهو مونديال قطر 2022 جعلنا نُطلق طاقاتنا المكبوتة التي اتسمت بحضارة أخلاقية لا تضاهيها أي حضارة أخرى والتخلص من جميع الموانع الذاتية التي كانت تعوق تقدمنا بسبب انهزامنا النفسي الذي أورثنا اياه المستعمر بحضارته الأخلاقية الفارغة من المبادىء والتي تم تعريتها في مونديال قطر. فنهائي مونديال كأس العالم القادم بإذن الله ستكون المنافسة فيه عربيةً عربيةً والسعودية فيها أحد الاطراف فذلك ليس على الله بعزيز، فقد نجحنا بهزيمة بطل النسخة الحالية "الأرجنتين" ولولا الاصابات لكان منتخب السعودية على الأقل بجوار منتخب المغرب في المربع النهائي، هذا إن لم يكن منافسًا على النهائي.