|

الستاسي والحوثيين

2018-07-12 12:44:42

ذات ليلة احتجت لبعض اعمال الصيانة في المنزل ، فاستدعيت احد الجيران المقيمين بجانب منزلي ، والذي كان من الجالية اليمينة، لبى النداء واخرج عدته وبدأ بالعمل ، بدأت معه الحديث سعيا مني في ان اسليه قليلا في عمله ، فسألته عن حاله وحال اهله في اليمن وهل هناك امل في انهاء الحرب الاهلية هناك .
فرد عليه متنهدا وقال : انا لم اتمكن من الدخول الى الاراضي اليمنية لرؤية اهلي وابنائي واقاربي هناك منذ 2015 من قبل عاصفة الحزم وحتى الان ، فالوضع هنالك اشبه بتصفية حسابات قديمة ، والحوثيين يقومون بممارسة التجنيد الاجباري للشباب ، والتهديد المتكرر للعوائل بالاسلحة ، ونهب ماتقع عليه اعينهم من مال وخيرات وارضي حتى ولو كانت لمطامع شخصية ، واشعال المشاحنات التي قد تصل الى الدم بين افراد القبائل ، ونشر افكارهم الضالة بين مراحل التعليم المختلفة ، حتى ان ابن خالتي الذي كان يعمل معي هنا سابقا ،ذهب ليتزوج بعد ان استكمل مبلغ مهره من عرق جبينه ، ليذهب هناك ليكون في استقباله بنادق الحوثيين التي تطارده ، رغبةً منهم في انظمامه معهم ، ليرحل هاربا منهم متجولاً بين صخور الجبال مستوطنناً في خنادقها .
لم اعلم كيف اواسي ذلك الرجل التي حرقت الحرب قلبه كما احرقت معه اكثر 26.5 مليون قلب ، فدائماً
يسعى الانسان ذو السلطه الذي يعيش وسط دوامة الخوف والارتياب غالبا الى اللجوء الى وسائل الاعتقال وكبت الاصوات وزرع اجهزته الاستخباراتية بين الناس ، وزعزعة حبال الثقة بين افراد المجتمع حتى تكون نظرياته هي دستور الجميع .
هذه الاعمال هي اعمال الانظمة الهشة التي تخشى السقوط من اي شيء ، كما فعله الحكم الشيوعي في ما يعرف سابقا بـ “المانيا الشرقية”، الذي استمر لما يقارب الـ45 عام ، فبعد اتحاد الدولتين أصبح بالإمكان الكشف عن أرشيف جهاز المخابرات السري الستاسي (STASI) ، فحين كشف عنه اندهش العالم من حجم الارتياب الذي عاش فيه النظام السابق فعلى سبيل المثال : وصل عدد الملفات الامنية الى 16 مليون لمواطنين تم التجسس عليهم فقط لمجرد الشك بهم ، يضم الجهاز للعديد من قطع القماش التي تحتفظ بروائح المشتبه بهم مخزنة في عُلب زجاجية محكمة ، والالاف من المفاتيح والاقلام و المحافظ وغيرها من الادوات التي امسكها المواطنون يوماً ما وتركوا بصماهم عليها ، ناهيك ذلك عن طول الرفوف التي وضِعت عليه الملفات ،والتي تزيد عن 80 كم .
وصل حد جنون الارتياب الى مستوى لا يمكن تصديقه ، فكانت تضخ الدولة ميزانيات هائلة لهذا الجهاز ، وفي حين كانت المانيا الغربية مشغولة في شراء حرية السجناء السياسين بملايين الفرنكات من الشرق ، ثم تقوم حكومة المانيا الشرقية بتسخير هذه المبالغ لشراء احدث التقنيات و الاجهزة لمراقبة المواطنين.
من القصص الغريبة لذلك النظام هي قصة السيدة “فيرا فولنبرغر” ،التي كانت مناهضة سابقة لحكومة المانيا الشرقية، وكان زوجها “كنود” يقف بجانبها دائما ويشد من ازرها ، ولانها تدرك بان عملاء الستاسي يحيطون بها من كل مكان ، فكانت حذرة في كل تصرفاتها وتقوم بعملها بسرية تامة ، الى انه قد تسربت بعض من صورها ومحادثاتها ، التي سمحت لجهاز الستاسي من ادانتها وسجنها لمدة طويلة ، اما زوجها المخلص فواظب على خدمتها وبعد ذلك اصبح”كنود” وسيلتها الوحيدة لاتصالها بالمجموعة في الخارج ، وبعد انقضاء الحكم الشيوعي والافراج عنها ، اصبحت “فيرا” امرأة سياسية و انتخبت عضوا في البرلمان الالماني ، بعدها قررت على الاطلاع على ملفها السابق بين رفوف الارشيف لنظام الستاسي ، فصعقت حين اكتشفت بان زوجها “كنود”، كان عميلا مخلصا للنظام ، وخلال زواجها كان يزود الستاسي باخبارها وتحركاتها ، بل وباسماء المعارضين الذين تتصل بهم في السجن.
المخيف في الامر ان ملفات الستاسي كشفت في دولة كان مستوى الرعب اقل بكثير مما هو عليه الان حال الدول العربية ، فكيف ستكون الصدمة التي ستحل على هذه الشعوب عندما يتمكنون من النظر الى ملفاتهم في الرفوف الاستخباراتية ، وما يدعو للتأمل ان حكومة برلين دمرت الارشيف والغت جميع اجهزة الاستخبارات ، ومع ذلك لم ينهر فيها الحكم بل وصلت فيها نسبة النمو و التطور الى حدود تحسد عليها