|

بين الأمل والألم...حكايات تائهة

الكاتب : الحدث 2022-12-03 07:56:30

 

في كل صباح تنهض ياسمين من فراشها ،تقف برهة من الوقت على شباك غرفتها بنتظار نور الشَّمس يطفئُ عتمة ليلها الطويل.

 تَلُوحُ لها على مفارق دروب العتمة وجه الصباح المشرق،الرحيل نحو فضاء بعيد، أحلام الطفولة العالقة في الذاكرة تلك التي تلتحفها كلما أرتجف جسدها النحيل من برد الشتاء القارص.

تتسول من عبق الذكريات حفنة من الحُب علها تنتشلها من وحل واقعها المليئ بالانكسارات والهزائم، روحها المنطفئة تُسابق الليالي وعبور الأيام تبحث عن ملامح قدرها المجهول أو ربما حلماً عابراً يحوي بين طياته نسمة من الفرح.

ذلك الضوء الآتي من خلف تلك الأحلام الملونة يمنحها سرورًا طالما كانت تنتظره بشغف مع كل إشراقة صباح .

تُكابر على ظلام الليل،توهم نفسها بأن تلك الشمس الجميلة ستبقى دائمًا رفيقتها المضيئة تُحرق بلهيبها أحزانها المتراكمة بين أهداب عيناها المليئة بالأسى.

استغرقت في حلم اليقظة زمنً طويلاً تبحث  عن لحظات من الهدوء بعيداً عن ضجيج هذا  العالم المزدحم بالأفكار والهواجس،قلبها يهيم للمكان الذي ستتحقق فيه أحلامها.

مع كل يوم يمضي يزداد يقينها بأن خلف ذلك الغروب نورًا قادمًا يبدّد عتمةٍ نحتت ملامحها على وجهها الحزين 

 الشمس توارت خلف الأفق تُلـوح للوداع معلنة الغياب غير آبهة بأحلام الياسمين القابعة منذ زمن في زنزانة الظلام.

كانت ياسمين تشعر مع كل لحظة غروب أنها تودع جزء من حياتها لا يعود وسنوات عابرة من الأنتظار الطويل امتدت لِمسافات مرهقة، أحلامها تحلق في السماء تتوق شغفًا للحياة وتطمعُ في ضياء يخبئه لها القدر.
لم تدرك أن أيام عمرها رحلت حتى وقفت ذات يوم أمام مرآتها تتأمل تلك التجاعيد في وجهها وهذه الخصلات البيضاء في شعرها و ملامح بؤس ما زالت تحتلُ قلبها.
وقوفها أمام تلك المرآة المكسورة كان يؤجج نار الأنتظار المستعرة في صدرها.

تلك الشمس كانت أيقونة السعادة و الأمل لِروح ياسمين، تستيقظ مع صباحاتها البيضاء كل أمنياتها الصغيرة وتستمد من غروبها الشوق والحنين .

في زمنً غابر هبت رياح الحنين، أصواتها مفزعة على غير عادتها تدؤب الرعب في القلوب، الأمر المثير للدهشة أن ذاك الشباك المتهالك بقي صامدًا في وجه الرياح العاتية رغم ما يكسوه من الثقوب ،تيقنت حينها ياسمين أن هذه  الأماني المزدحمة في صدرها لم تكن غير  بضعـة أحـلام وحكايات جميلة أحيت في روحها كل الذكريات المؤلمة تلك التي شاخت و تناثرت على رصيف الذكريات ولم يتبقى لها غير مزيدًا من الحسرة على أيامًا رحلت ولن تعود و بقايا من هذا الشباك المشؤم الذي تعرت بين ثنايا ثقوبه أحلامها الوردية .

لحظة معانقة خيوط الشروق كانت دائما تنتشلها من وحي واقعها الأليم لكن الأمر هذه المرة مختلفا تمامًا،انفرط عقد خيوط الأمل وتساقطت أمنياتها واحداً تلو الأخرى، بهتت حروفها وتاهت سطورها مع ذلك الشروق الحزين الذي طالما كان ينقلها لِعالم آخرى يبدوا أكثر رفاهية . 
 أدركت ياسمين خيبتها الكبرى من وراء وقفها الطويل أمام ذاك الشباك و هذا الشروق الذي كان  جزء من حكاية تائهة استعصت على النسيان .
ابتسمت بحرقة وشريط ذكرياتها يمر أمامها دون أيّ ألوان وملامح،لم يعد سوى ضجيج تلك الريح يرن في أذنيها وصدى صوتها يوقظها من سبات أحلامها الطويل..(أيتها الياسمين أنفضي من قلبك غبار الأمس فالحياة عابرة و الوجوه عابسة وأشعة الشمس مازالت باهته).

بقلم: العنود سعيد