|

صناعة المُستقبل

2018-08-27 03:04:48

في عالم حافل بالمتغيرات المتلاحقة، ذات الوتيرة المتسارعة والمتقلبة، والإنجازات العلمية الرائدة وغير المسبوقة في شتى المجالات، أصبح لزاماً على الأفراد والكيانات التنظيمية وضع خطط مستقبلية طموحة، مكتملة الجوانب من حيث الجدوى وطرائق التنفيذ لتحقيق المستقبل الأمثل.

إن من مقومات صناعة المستقبل المأمول وجود رؤية جلية واضحة المعالم، ورسالة سامية ذات أهداف وقيم محددة ليست ضرباً من الخيال أو أضغاث أحلام عابرة بعيدة المنال؛ بل أن هدفها الأسمى هو نفع الذات والإنسانية جمعاء في آنٍ معاً. لذلك فإن رؤية ورسالة بناء المستقبل الواعد يجب أن تكون مقترنة بطموح لا يُحد، لا يعرف المُحال، بل ويتجاوز مداه آفاق الخيال. وإن محصلة هذه المقومات مجتمعة هي خارطة طريق متقنة لتحقيق تلكم الأهداف التي أُعِدَّت من أجلها الخطط، ورُسِمَت من أجل نيلها الإستراتيجيّات ذات البدائل والمصادر والموارد المتعددة.

وفي ضوء ذلك، فإنه يمكننا تعريف مصطلح بناء أو صناعة المستقبل بأنه مجموعة التدابير التي يتخذها الفرد أو الكيان التنظيمي للتحضير الجاد لما هو آتٍ على المدى القريب والمتوسط والبعيد. واستناداً إلى ذلك، فإن المستقبل يصنعة الحاضر المجيد الذي هو بطبيعة الحال إمتداد لماضٍ تليد، لذلك فإن من لم يُحسّن إِعْمال أمجاد ماضيه ومكتسبات حاضره وتوظيفها في بناء مستقبله فسيعض أصابع الحسرة والندم ولات حين مندم.

ولعله من المناسب هنا التأكيد المطلق على أن مسؤولية صناعة المستقبل تقع بالدرجة الأولى على عاتق العنصر البشري نظراً لكونه الوحدة البنائية الأساسية في هيكل الكيانات التنظيمية والأممية، لذلك فهو مطالب بتطوير ذاته باستمرار من كافة الجوانب المعرفية والمهنية والإجتماعية والأسرية، ليظل مواكباً لمتطلبات العصر وتحديات المستقبل.

إن العمل من أجل صناعة مستقبل مشرق لبني البشر على إختلاف أجناسهم وثقافاتهم يتطلب وجود كيانات تنظيمية تعمل في بيئة مستقرة محفزة للإبداع والمبدعين، تعمل وفق منهجية بينة جلية تستمد رؤاها من دراسات وأبحاث معاهد ومؤسسات بحثية متخصصة في شؤون المستقبل وتحدياته. كما أن بناء المستقبل الأمثل يتطلب أيضاً الإستفادة من دروس الماضي وعِبَره وتوظيفها بشكل خلاَّق لخدمة الحاضر والمستقبل المرتقب، وتلافي تكرار حدوثها مجدداً فيما يُستقبل من الزمان.

ونظراً لما تمثله العملية التعليمة من دور محوري وعمق جوهري في عملية التنمية بمفهومها الأشمل، كان الإهتمام بها وتطوير مناهجها وتقويم مخرجاتها بشكل دوري من أولويات القيادات وصناع القرار في الدول والهيئات والمنظمات، وغيرهم من العلماء والمفكرين المهتمين بالشأن المستقبلي لبني البشر جميعهم دون استثناء.

وخلاصة القول، أن الإهتمام بالعلم النافع وتطوير مناهجه لتتواكب مع متطلبات الحاضر وتطلعات المستقبل، ورفع كفاءة المنتمين للمنظومة التعليمية والإرتقاء بجودة مخرجاتها هي أس وأساس كل نهضة حضارية على مر العصور، وهي كفيلة بعد توفيق الله جلَّ في علاه ببناء مستقبل زاهر، يظلله الأمن والرفاه، وترفرف في أجوائه رايات الإبداع والحب والألفة والسلام.