|

عدوى الرائج

2018-09-01 03:02:01

هل هي مكتسبة برغبة حقيقية أم طارئة فقط؟
سؤال واحد يحدد لك مدى فهم المُسَائل للشيء الذي انتحله، أو بالأحرى للـ”هبّة” التي وهب نفسه لها كما فعل غيره.
وقد لا يجيب، ليس لأنه جديدٌ على الساحة، بل لأنه قد لا يكون واعياً عالماً مدركاً للشيء الذي يفعله، إنما هو مقلّد يفعل كما يفعل الناس، لذلك فهو لا يرى أي أحقيةً لديك لتسأله سؤالاً كهذا طالما أن “الهبّة” ما تزال جديدة على الساحة، متعللاً بذلك أنه في طور التعلّم ولا يزال لديه الوقت لفهم ما يحاول فعله واتقانه.
أولاً وقبل كل شيء التعلّم لا يحصل إلا بالرغبة الحقيقية والشعور التام بالحاجة للمعرفة، أما مجرد التعلّم لإرضاء الغير والتقليد مع إيهام النفس بالرغبة الحقيقية فسرعان ما ستنطفئ وتختفي تلك الرغبة المصطنعة، ليسأل الشخص بعدها نفسه لماذا لم يفلح في هذا المجال؟

لا يخفى على أحد من مستخدمي مواقع التواصل هذه الأيّام انتشار عدد القرّاء المتحمّسين، الذين بدأوا بالقراءة لمجرد انتخاب عددٍ من المشاهير كتباً راقتهم فظن أولئك المتحمسون أنهم وجدوا ضالتهم ونِحلَتهم الجديدة.. وعلاوة على ذلك انتشار صور ولقطات لكتب وصفحات على مناضد المقاهي الفارهة، لمجرد إعلان “البرستيج” وتلميع سمعة المصوّر وضمّه من قافلة القرّاء والمثقفون، وكأن وحي الإلهام لا يتنزّل إلا في تلك المقاهي!
أنا لا أنتقد التصرّف على وجهه العام، أنا أنتقد نيّة التصرف المجرّدة، وقد يعارضني أحدهم بقوله انني لا أستطيع معرفة ما تخفيه الصدور.. وهو بذلك على حق، ولكنني هنا لا أنتقد نوايا الناس، بل أنتقد النيّة بحد ذاتها كمشروع قائم قد يفكر أحدهم بانتحاله، أي كفعل غير مسبق التنفيذ.
ففيما مضى انتشر عدد الشعراء بشكل كبير وتهافت الناس على كتابة دواوين الشعر، ونحن عربٌ نولدُ وتولد معنا الفصاحة، ولكن أن نصبح كلنا شعراء فهذه مسألة فيها نظر، وكذلك انتشار عدد منتحلي هواية التصوير في الأعوام السابقة، لدرجة أن الأطفال بالغوا في الأمر وأصبحوا يحملون كاميراتٍ قد تزن نصف وزنهم وهم لا يعرفون للتصوير ذائقة!
ان نصبح أمة فيها المصوّرون والشعراء والكتّاب والقرّاء أمر بلا شك رائع، ولكن أن تصبح كل الأمة كذلك فهذه مسألة فيها نظر ونقاش، وللبتّ فيها علينا أولاً التلصص على حبلها للوصول إلى أول مرحلة خَرَجت فيها، وعلى الأغلب، سنجد أن أحد المشاهير بدأها، فانقاد الناس وراءه.

ولذلك، أصابت مكتباتنا التُخمة وامتلأت بألوان الشعر الفضفاض والروايات الرنّانة بالحب والعشق والكتابات الركيكة، وأضحت فكرة التأليف والكتابة مجرد تجارة استهلاكية المستفيد الوحيد فيها دور النشر التي تطلب مبالغ مهولة لنشر أدبٍ متدني المستوى، يطلبه الناس لمجرد كون المؤلّف فيه من ضمن قافلة المشاهير (وكثيراً ما يكون مجال المشهور أبعد ما يكون عن مجال الأدب والكتابة).
المطلوب في نهاية المقال أن نتحلّى بالإيمان، الإيمان النابع من ذواتنا بأننا لا نحتاج اتبّاع أحد لمعرفة نواقصنا واحتياجاتنا، لا نحتاج أن نقلد أحداً لمجرد تعبئة الفراغ الكامن في روحنا، علينا تعبئة ذلك الفراغ بأنفسنا، علينا معرفة ما يحقق ذواتنا ويملأها بالنشوة، دون التطفّل والجري وراء القافلة وتسجيل أسمائنا من ضمن القطيع. فالفراغ الكبير في مجتمعنا يجعله منقاداً لغيره، منتحلاً لأي “هبّة” جديد تصدر على الساحة، حتى ولو لم يكن يعرف حقيقتها وأصلها.