|

العالم الموازي للكتابة

2018-10-14 02:39:42

كل ما تحتاجه لتصبح كاتباً اليوم هو قراءتك لبعض العبارات النثرية والتي يفضل أن تكون عن الحب والفراق والخيانة والغدر، ومن ثم محاولة تقليدها ونشرها على الشبكة. وإذا ما أردت ان تصبح كاتباً حقيقياً ذا قيمة، فما عليك الا أن تجمع تلك العبارات لتحاول الربط بينها وتخرج كتاباً! وما أحسن أن يكون رواية!
ظاهرة تفشت بشكل كبير في الآونة الأخيرة، والفئة المتصدرة لها هي فئة المشاهير.
والمشكلة هنا ليست في كتابة أو نشر تلك الأعمال الرثّة التي تغريك بغلافها المأخوذ من صورة مشهورٍ ما، فلكل شخص وجهة نظره وحريّته في التصرّف، ولكن المشكلة الحقيقية تكمن في تهافت فئة الشباب -بشكل خاص-على تلك الكتب لمجرد “كونها” من تأليف مشاهير مواقع التواصل الاجتماعي، حتى ولو كان المشهور ليس له أي علاقة من قريب أو من بعيد بالأدب وفن الكتابة.
وأنا لست هنا في موضعٍ للحكم، فأنا لا أملك الصلاحية أصلاً في التدخل في شؤون الناس، أنا هنا أعرض الحالة من جانبها المظلم فقط، والذي يطغى ويؤثر على الكثير من الأمور الجانبية والتي قد لا تكون لها علاقة بالكتابة وبيع الكتب، ذلك بأن الساحة الأدبية حينما تكسوها الأعمال الرثّة تبدأ الأعمال الجيّدة في التناقص، وعندما تبدأ في التناقص يبدأ القرّاء في الميل إلى تلك الأعمال المكتسِحة، وحينها تندثر سمعة الكتّاب الجيّدون، وتضمحل الأعمال الحقيقية، فتذهب ثقافة جيلٍ كاملٍ مع مهبّ الريح، و يخسر المجتمع المفكّرين والأدباء.
ولأن الساحة الأدبية أضحت خالية من الضوابط والشروط التي تردع كل متطفل، انتشرت تلك الكتب التي لا تحتوي بين دفاتها على أي سبب يدفع الانسان العاقل لشراء الكتاب، فهو لا يحتوي على أي شيء أكثر من احتوائه على الخواء والثرثرة وإفساد الذائقة فضلاً عن كونه مفتقرٌ للمقومات الفنية والأدبية وعناصر بناء الكتاب. ونحن هنا –في المقام الأول-نواجه أزمة ذوق أدبي تفشت بين الشباب خاصة، فعند صدور كتاب لمشهور فلاني تجد الحشود الضخمة تتهافت على شراء الكتاب، وإن سألت فرداً من أفراد هذه الحشود عما يحتويه الكتاب فأكاد أجزم أنه لن يستطيع الإجابة، فشراؤه للكتاب لم يتعدى فكرة الانضمام الى قافلة أنصار المشهور الذي ظهر على الساحة الأدبية التي عمتها الفوضى واختلط الحابل بالنابل فيها.
والمشاكل الناجمة عن هذه الظاهرة كثيرة، فهي تجعل فكرة الكتابة والتأليف مجرد تجارة استهلاكية، الرابح الأول فيها دور النشر التي تطلُب مبالغَ ضخمةٍ مقابل نشر تلك الأعمال. ثم ان هذه الظاهرة تعوق الكتّاب الحقيقيين أصحاب الأقلام المبدعة من الظهور على الساحة، فالمشاهير أصبحوا أولى بالتعاقد معهم، وكُتُبهم هي المتصدرة اليوم في المكتبات، لأن دور النشر ستميل كل الميل لنشر كتب المشاهير حتى ولو كانت خالية من أي مقومات فنية تؤهل الكتاب للنشر. لماذا؟ لأن نسبة المبيعات ستكون خيالية إذا ما قورنت بنسبة المبيعات لأي كتاب مؤلفه جديد غير معروف. وهنا بالتحديد نكون قد اعترفنا بأننا نفتقر إلى عنصر التشجيع، الذي يحفّز الكتّاب الجيدين على نشر كتبهم وسلك المجال الأدبي.
وهذا كلّه يحتاج إلى رقابة صارمة على دور النشر في أول المقام، لأنها-إلا ما رحم ربي-لا تلتفت إلى المعايير الفنية والجودة الرفيعة في الكتابة، إنها فقط تنشر بهدف جمع المال. وما يعاب هنا ليس الاسترزاق، ما يعاب هو نشر أي مادة كتابية مهما احتوت من غثاء لمجرد كسب المال.
وعلى هذا المنوال الذي تجري فيه سوق الكتابة ليس من الغريب أن تتحول المكتبات الى غثاء يشكي فقر الأدب والذوق الرفيع.