|

قَبلَ قَرنٍ منَ الزَمانْ

2018-12-15 12:34:25

فإنْ تُصِبْكَ من الأيام جائحةٌ … لا نَبْكِ منك على دُنْيَا ولا دِينِ

أعتبرت الانفلونزا من أكثر الامراض فتكا بالبشرية, وقد حدث ذلك منذ قرن من الزمان بالتمام, وكانت وبحق جائحة رهيبة راح ضحيتها عشرات الملايين من البشر .

الجمع : جائحات و جوائحُ , ويقال أَصَابَتْهُ جَائِحَةٌ : بَلِيَّةٌ ، تَهْلُكَةٌ, أو دَاهِيَةٌ بالعامية المصرية, ويقال أيضا, سنةٌ جائحةٌ : جَدْبة ، غبراء , قاحلة, وأهْلَكَ الجَائِحُ النَّبَاتَ وَالزَّرْعَ وَالأَشْجَارَ, كالآفات الزراعية وأقدمها الجَرَادُ, ويقال لَمْ نَعْرِفْ سَنَةً جَائِحَةً مِثْلَ هَذِهِ السَّنَةِ, أَيْ سنة جَفَافٍ قَاحِلَةً .

جاء في الفقه, ما أذهب الثَّمرَ أو بعضَه من آفة سماويّة أَمَرَ بِوَضْعِ الْجَوَائِحِ وكما جاء في الحديث الشريف, نهى عن أخذ صدقة ممّا تبقّى من المحصول المصاب بآفة سماويّة .

في عام 1919 ، قتل أكثر من 40 مليون شخص بسبب الانفلونزا وفي إحصاءات أخرى قدر عدد الضحايا مابين 50 الى 100 مليون نسمة, خُمسهم قَضوا بسبب الانفلونزا في أوروبا وأمريكا وسميت بالانفلونزا الاسبانية وكانت بداياتها عام 1918 أي قبل قرن من الزمان .

يحكى حينها ان واحدا من الاطباء قام بزيارة العديد من المزارعين الذين اصابهم المرض لتقديم المساعدة, وبالصدفة وجد عائلة لأحد المزارعين يتمتع جميع افرادها بصحة جيدة ولم يصاب اي فرد منها بالانفلونزا المتفشية, وتسائل حينها وطلب من المزارع ان يخبره ماكانوا يفعلونه مختلفا عن الآخرين لعله يعرف السب, فأخبرته زوجة المزارع انها تضع بصلة في أناء بكل غرفة من غرف المنزل بعد أن تقشر طرفيها, بعد بحث بسيط وجد الطبيب حينها أن البصل من الممكن ان يكون العلاج الشافي .

المهم في قصتنا هو أن كارثة الانفلونزا كانت من أكبر الكوارث التي حلت بالشرية خلال القرن الماضي والتي تعود لأسباب طبيعية كالزلازل والفيضانات والآفات الزراعية وكذلك المرض والوباء .

اليوم وبسبب التنافس البشري على موارد ومصادر الانتاج خاض العالم خلال القرن المنصرم حربين عالميتين وكانت من أعظم الجوائح التي راح ضحيتها الملايين وكلها كانت بسبب السياسة والمصالح ولم تبتعد أبدا عن الدين .

الجوائح الطبيعية تنتهي وتمر بعد ان تحصد الكثير من الضحايا, ولكن مع التقدم العلمي كانت السيطرة عليها اكثر فاعلية لصالح البشرية وخصوصا بالنسبة للامراض وكذلك اجهزة الاستشعار المتطورة التي ترصد حركة الزلازل والاعاصير والبراكين وطرق البناء الحديثة وغيرها كلها ساعدت على تقليل الخسائر المادية والبشرية نسبيا, نظرا للانفجار السكاني الحاصل, وهو أمر كَتَبتُ فيه العديد من الابحاث والمقالات وما أزال, ففي العام 2050 سيصبح سكان الكوكب بحدود 10 مليارات نسمة حسب احصاءات رسمية دولية, وهي جائحة قائمة وقادمة لامحالة وهي من صنع الانسان, ولا بد من أن تثير الكثير القلق ؟!! .

الجوائح التي تعاني منها البشرية والتي هي من صنع الانسان تتفاقم اليوم ولانرى لها في الافق من حلول او من بصيص من أمل يخبر بنهايتها او انحسارها, هي من صنع الانسان وصنيعة الانظمة المتسلطة من خلال منطق القوة والتفوق وهيمنتها على مقدراتنا , عانينا كثيرا على مدى القرن الماضي وما نزال من تلكم الانظمة مع الإختلاف والتباين وحسب الظروف, حتى بتنا نترحم على عهود كانت سيئة وكنا نشكو منها مر الشكوى وكما يقول المثل العراقي ( ماتعرف خيري الا بعدما تجرب غيري ) وها نحن مازلنا نرزح تحت منطق التجريب ولا ندري الى متى سنظل كذلك .

الجوائح السياسية عبر التاريخ دامت انظمتها مئات السنين والامبراطوريات التاريخية خير شاهد عليها كالرومانية والبيزنطية والفارسية وكان آخرها الامبراطورية العثمانية وصولا الى حركات التحرر الثوري منتصف القرن الماضي في آسيا وأفريقيا والتي كانت النهاية الفعلية لكل اشكال تلكم الامبراطوريات, وها نحن نشهد عودة الامبراطورية الفارسية بقوة ووضوح, وعودة الامبراطورية العثمانية بتواضع خجول, ونحن لانملك شيئا سوى ان نكون الضحية ولتعود بنا الى بدايات القرن الماضي وربما قبله .

جائحتنا الإجتماعية أو الانفلونزا السياسية التي تجتاحنا ليس لها دواءيكافحها كالبصل او الثوم, ولايلوح في الافق بوادر لانقشاع زعابيبها, ولم نعلم لها موعدا لانتهاء الصلاحية .

– زعابيب أمشير مثل مصري, وأمشير هو أسم لواحد من الأشهر في السنة القبطية, من 8 فبراير – 10 مارس, نسبة إلى شدة الزوابع والرياح في هذا الشهر, وكان المصريون القدماء يدعوه شهر النار والعواصف .

ولكن ورغم ذلك يبقى الأمل أمام أعيننا وفي خاطرنا معلقا كورقة خريفية صفراء تتارجح متعلقة بغصنها مع زعابيب الخريف الذي طال مكوثه .

ما أحوجنا الى “جاحة” مُهلكة تستأصل هذا الوباء “البولوتيكيا الدينية” دون إبطاء, في معجم الرائد, الجاحة هي المصيبة التي تحل بالقطيع وتهلكه كله, والجوح هو “الإستئصال” , عسى (( عسى للتذكير ولمن هجر اللغة وقواعدها هو فعلٌ ماضٍ جامد من أخوات كاد, يكون للتّرجِّي في الأمر المحبوب, ويكون للإشفاق في الأمر المكروه )) عسى أن تستأصل قطيع الأراذل والسفهاء والعمائم التي تخفي تحتها رؤوسا مليئة بالعطن والعفن .

وكما يقول الجواهري في قصيدة الوطن والشباب

رأوا في الرافدين ثرىً خصيباً يروقُ العين فانتشروا جرادا

ويستنهض الشباب ويقول

أشبَّانَ العراق لكم ندائي ومثلُكُمُ جديرٌ أن يُنادى

ما أحوجنا لصحوة وطنية أو لإنتفاضة شعبية, ولكن وكما يبدو قد ولى زمن الثورات ولم يبق لنا سوى الدعوات والكل ينتظر الإجابة .

ويكمل الجواهري ليقول

لئنْ غطى على كَبدي اديمٌ فكم من جمرةٍ كُسِيَتْ رَمادا

مؤيد رشيد / كاتب وباحث