|

نود لك سلامتك

2019-01-30 11:21:38

يحكى أنه في قديم الزمان كان هناك طفلٌ مصابٌ بسعالٍ شديد، حَارَ في أمر تشخيصه الأطباء، تناقلت أخبار مرض الطفل المستعصي و وصلت أطراف البلاد، حتى أذن الله و سخر له أحد الأطباء من الخارج ليجري اتصالاً هاتفياً مع والدته و يستفسر عن حاله.. طلب الطبيب من الأم طلباً غريباً، أن يسمع سعال الطفل عبر سماعة الهاتف، و بمجرد أن سمع صوت سعاله شخص الداء، انه السعال الديكي -التهابٌ يصيب الجهاز التنفسي يصدر المريض بسببه صوت شهيقٍ يشبه صياح الديك- هذا ما نسميه حاليًا “بالطب الإتصالي”

اليوم أصبح من السهل على الجميع البحث في شبكة جوجل عن أعراض أي مرضٍ و طرق علاجه و يتبعوها، فيما عدا الأمراض المستعصية و العياذ بالله، و هذا ما نسميه في عصر التكنولوجيا ” بالكمبيوتر الطبي”.

بناءً على ما سبق ذكره نستطيع القول بأن الصحة الرقمية مشروعٌ قائمٌ منذ صدور الهواتف الذكية و الأجهزة الرقمية، و ليس وليد الألفية الثانية. لكنه بات أمراً الزامياً و لم يعد خياراً في ظل ما تشهده بلادنا من عولمة التقنية.

حالياً تسعى وزارة الصحة الى تطبيق الملف الطبي الموحد لكل مواطن، و هو عبارة عن ملف يحتوي على شرح مفصل عن حالة المريض، وصفاته الطبية التي تم صرفها، صور الأشعات الخاصة به، عوضًا عن كيفية التواصل معه، و هذا قد يوفر الوقت و الجهد المبذول يدويًا في تدوين تلك المعلومات من قبل الأطباء و جهات التمريض المختصة، يساعد على تلافي الأخطاء الطبية و يمنع تكرار عمل صور مجددة لصور أشعة قديمة، في روايةٍ أخرى، هو حلقة الوصل بين المريض و طبيبه الخاص، و بين قطاع الصحة و المجتمع.

مؤخراً قام المكتب التتفيذي لدول مجلس التعاون، بحضور جميع وزراء الصحة للدول الأعضاء بأخذ موضوع الصحة الرقمية على محمل الجد، و أقروا بالإجماع على تخصيص ميزانيةٍ تتكفل بتنفيذه على أرض الواقع، و قامت الإمارات بتنفيذ أول موقعٍ لمستشفى الكتروني. على صعيدٍ آخر بدأ هذا المشروع في المملكة منذ فترة السبعينات بمستشفى الملك فيصل التخصصي بالرياض، عندما أنشأت أول موقع لمستشفى أوتوماتيكي، لكن المشروع تعثر بسبب ضخامة الميزانية المطلوبة و قلة في كوادر الموارد البشرية.

في الآونة الأخيرة أخذت المملكة على عاتقها هذا المشروع و قامت بتنفيذه على مرحلتين، مرحلة أولى مدتها خمس سنوات لتدشينه في القطاعات المعنية كإدارة الهلال الأحمر، وزارة الصحة، قطاع الحرس الوطني و مستشفى الملك فيصل التخصصي، و مرحلة ثانية لخمس سنوات أخرى لتفعيله في جميع مستشفيات المملكة، تماشياً مع رؤية ولي العهد محمد بن سلمان ٢٠٣٠، التي تقتضي تعميمه على ٧٠% من قطاعات الصحة بحلول ٢٠٢٠.

قد لا نكون الأوائل عالميًا في بناء هذا الحلم و تحويله لواقع مشرق، فقد سبقتنا اليه دول رائدة كأوروبا و أمريكا، لكن المؤكد بأن المملكة هي الدولة الأولى في المنطقة التي تعنى بهذا الأمر لتغيير مفهوم مصطلح مهم الا وهو صحة الفرد الرقمية في المجتمع العربي..

 

د. غاده ناجي طنطاوي
رئيس تحرير مجلة جولدن برس