|

فرحة العيد عيدين.

الكاتب : الحدث 2022-05-05 11:38:07

بقلم : عثمان الأهدل …

كانت فرحة العيد هذا العام عيدين للشعب السعودي والتركي بعد عودة العلاقات الأخوية التي دام انقطاعها لخمس سنوات بغض النظر عن أسبابها، تُثبت فيها مدى حكمة القادة في البلدين. والفرحة لم تقتصر على شعبي تركيا والسعودية فحسب، بل عمت بين الشعوب الإسلامية الشريفة الشغوفة إلى وحدة الكلمة والمصير. وعودة علاقة البلدين لا شك أنها شكلت مصدر قلق للبعض، لِكْون أنهما يشكلان قوى عظمى لهما وزنيهما اقتصاديًا وسياسيًا وعسكريًا، قادران على تغير المشهد في المنطقة ضد العابثين في أمنها. ولا سيما أن اللقاء بين الزعيمين خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان والرئيس أردوغان حفظهما الله أسفر عن عمق التبادل التجاري والعسكري الذي يصل إلى مستوى نقل كل ما توصلت إليه تركيا من تقنيات تقارع بها مثيلاتها ليكون رهن اشارة السعودية، هذا من ناحية.

ومن ناحية أخرى أن عودة العلاقات تُوجت بالعلاقات الأمنية المشتركة بين الدولتين إلى أعلى مستوى، حتى أن أردوغان صرح أن أمن الخليج وعلى رأسها السعودية هو من أمن تركيا، وهذا التصريح يشكل تحذيرًا صريحًا لإيران التي دأبت في تجهيز خنجرها الغادر استعدادًا لما بعد اتفاقها الذي قد تبرمه مع أمريكا. نعم هناك حوارٌ بنّاء للسعودية مع إيران يُجرى حاليًا ببغداد قد يُسفر عنه تهدئة الأوضاع المتوترة بين الطرفين وعودة العلاقات الدبلوماسية، ولكن السعودية مدركةٌ تمامًا أن التجارب السابقة مع إيران لم تكن مشجعة، فلن ترخي حبل الثقة لها أكثر مما ينبغي، فالمؤمن لا يُلدغ من جحرٍ مرتين، ولا سيما أن جينات التُقّية مستشرية في فكرها العقدي، خلاف تركيا التي تربطنا معها وشيجة إخوة العقيدة، عقيدة أهل السنة.

وقد قِيل في الأثر؛ "في السياسة ليس هناك صديق دائم أو عدو دائم، بل هناك مصالح دائمة"، وهذا لا عيب فيه ولا سيما حينما يكون الغرض منه مشروعًا، فأردوغان بحاجة ماسة للإقتصاد والاحتياطات المالية الهائلة لدول الخليج والتي تشكل فيها احتياطات السعودية الغالبية التي لا تقارع، ولا سيما أن جائحة كورونا أكلت الأخضر واليابس وقد أثرت على كثيرٍ من الدول الصناعية. كما أن خطة ٢٠٣٠ التي غيرت من واجهة السعودية نحو الانفتاح في الاستثمار خارج الدولة وجلب استثمارات خارجية إليها جعل من السعودية الملاذ الآمن والمغري لرؤوس الأموال، وتركيا بحاجة لتوسيع صناعاتها ورأب اقتصادها، وهي على استعداد لبناء مصانع داخل السعودية باستثمارات مشتركة تزيد من فرص الوظائف للشباب، وتنويع من محفظة السعودية الإقتصادية كما هو مخطط له ضمن أهداف ٢٠٣٠.

مما لا شك فيه أن الخداع الأمريكي الذي أغرق المنطقة في الفوضى حتّم عليهم مراجعة أوراقهم وترتيبها لتشكيل تكتلات اقتصادية وعسكرية. وخصوصًا أثبتت لنا التجارب أن أمريكا لا تقدم حلول جذرية اطلاقًا، بل أنها تطوع المشاكل لخدمة مصالحها، تصب الماء على الزيت لتزيد الوضع اشتعالًا. ومحاولة وصولها لاتفاق مع إيران بخصوص مفاعلاتها النووية يصب في مصلحة ذلك التوجه، فهي تريد تقليم أظافرها من ناحية، واستخدامها كعصا تلوح بها من ناحية أخرى. وهذا الذي يدفع تركيا والسعودية إلى تكوين تحالفات ثلاثية مع مصر كونهم دول قوية في المنطقة ويشكلون قوى عظمى يكون لها وزن في النظام العالمي الجديد الذي سيحدده نتائج حرب أوكرانيا، الهادف إلى اضعاف روسيا، إن لم تفتتها إلى دويلات. 

وعلاقة السعودية مع تركيا ليست وليدة الحدث، فقد وصلت أوجها في عهد الملك عبدالله رحمه الله ثم ازدادت أكثر متانة بعد تولي الملك سلمان وولي عهد الأمين، ولولا مثاليات أردوغان الغير مبررة بالتدخل في الشؤون الداخلية للسعودية للمسنا نتائج تلك العلاقة ولتغيرت نظرة العالم للمنطقة ونتج عنها اتحاد شرق أوسطي تركي قوي، ولكن أن يحدث هذا التقارب متأخرًا أفضل من أن لا يحدث بتاتًا. ونأمل منه أن يكون عوننا على قطع دابر الفتن في كل من الدول التي أصيبت بداء الخريف العربي.

كما نرجوا من أصحاب الأقلام الشريفة والإعلام في الدولتين بشتى وسائله أن يكون عوننا في تتويج هذا الحدث السعيد ويتوقف عن البحث في صفحات الدفاتر القديمة البالية التي لا تخدم ولا تسمن من جوع، وأن يكونوا حمامة السلام وسدًا منيعًا ضد كل ناعقٍ لا يريد الخير للمسلمين.