|

" في بيتنا كان مطبخ "

الكاتب : الحدث 2022-02-28 03:34:37

زمان مضى في بيتنا الشعبي كان المطبخ فيه دولاب واحد اسمه (نمليه) وادراجها المتآكلة وأطراف المفارش المتهالكة فيه الصاج الحديد والرغيف اللذيذ  ... 
كان المطبخ يحوي كل الأسرار  فيه توقد الكولا وكان زيتنا مازولا فيه أنواع الصحون يكسوها ازرق اللون فيه ( المواعين والطبشية ) ولا يوجد ثلاجة صيفية . 
ولكن يوجد فيه الرائحة الزكية والخبزة الشهية  .
كان مطبخ بيتنا الشعبي 3 في 3 وكانت النار لا تُطفى ولا أذكر أنه بيوم واحد المطبخ غُلق بابه لا ليل ولا نهار  المطبخ في زاوية الحوش وكان عتباته العالية .
والآن المطابخ 5 في 7 فيه مكيف سبيلت والمطبخ خشبي إيطالي لكن أصبح الأكل والشرب والقهوة في المطاعم والكافيهات .
‏هل مات المطبخ أم أهل المطبخ أم كان في بيتنا مطبخ ؟
الكثير يتساءل ما السر خلف الاندفاع الكبير نحو المطاعم التي أصبح عددها يفوق عدد المدارس والمستشفيات والصيدليات ومحطات الوقود ؟ هل ذلك يعكس وجود ثقافة جديدة في المجتمع لتناول الطعام تتفق مع نظام السرعة الذي أصبح موضة العصر؟ أم أن ذلك الهوس يكشف حقيقة زعزعة الروابط الأسرية فلم تعد تهتم كثيراً لوجباتها الرئيسة التي تحفز لتنمية الروابط انطلاقاً من فكرة التجمع على سفرة واحدة؟ أم أن الذوق العام في انتقاد نوع الطعام اختلف؟ وأصبح الطعام المنزلي لا يواتي الفترة الحالية وأصبحت المطابخ في البيوت مهجورة ووجودها حتى يقال فقط في بيتنا مطبخ حتى أصبح في بيتنا كان مطبخ  .!!
الوجبات السريعة الكثير يعرف انها مشبعة بالدهون وقليلة الفائدة فالكبار أصيبوا بالسمنة والأطفال تدهورت صحتهم وأن إزدياد عدد المطاعم يدل على أن هناك هوسًا كبيرًا لدى المجتمع بفكرة تناول الطعام خارج المنزل بل ربما إن وجدت أسرة تتناول طعامها في بيتها قد تكون تأتي به من المطاعم.
علماً أن تناول كميات كبيرة من الطعام السريع خارج المنزل يسبب الإصابة بالسمنة فالعولمة لم تعد محصورة على الثياب والمظهر والفكر والسلوك بل وصلت بطريقها لتناول الطعام فمن يعتاد على الأكل في المطاعم يصبح لديه عادة وهوس لا يستطيع أن يتخلص منه وأن أسلوب الحياة له دور كبير في اتجاه الأفراد نحو المجتمع. 
بعض السيدات للأسف أسهمن في تفشي الإقبال على المطاعم بشكل كبير كون البعض منهن يتكاسل عن طهو الطعام في المنزل ويجدن في ذلك مضيعة وقت كبيرة فإذا لم توجد خادمة تحسن الطهي فإن سيدة المنزل تلجأ للمطاعم وربما قد تقدم أكل المطعم لضيوفها دون أن يكون في ذلك خجل حيث ساعدت خدمة التوصيل المجاني للمنازل في تسهيل الأمر على السيدات وكأن ثقافة الأكل السريع بدأت تترسخ في المجتمع فلم تعد بعض البيوت مكاناً للطعام الشهي النظيف!. 
( كان في بيتنا مطبخ )
أعتقد أنه يوجد جهل بما تقدمه المطاعم يمثّل خطراً حقيقياً يهدد الصحة وهناك إقبالًا مجنونًا نحو المطاعم لا تُفهم أسبابه وأصبح كل من يفكر بمشروع أن يفتتح مطعماً قال : "مشروع متعلق بالمعدة لا يخسر!"
فبعض الأسر تذهب للمطاعم بشكل كبير يعود إلى رغبة الأسر في التغيير والتنفيس فهي تحتاج إلى الخروج إلى المطعم في الأسبوع مرتين حتى تشعر بأنّها كسرت الروتين فلا مانع من ذلك فهو يمثل متعة كبيرة خاصةً حينما يكون ذلك في أوقات العطل وليس كل يوم وكل وجبة .
هوس المطاعم أضعف الروابط الأسرية التي كانت تعتز كثيراً بفكرة التجمع العائلي حول المائدة وهو الوقت الذي كان يستغل في تبادل الأحاديث والتقارب بين أفراد العائلة هوس المطاعم يجلب آثارًا سلبية تنعكس على الأبناء الذين أصبحوا يفضلون تناول الطعام خارجاً عن المنزل والأضرار كثيرة ناهيك عن الإستهلاك المادي رغم تفاقم ظروف المعيشة الحالية فالخروج إلى المطاعم بشكل دائم يحتاج إلى مصروف كبير يؤثر على ميزانية الأسرة .

بعض الكلمات الغامضة :
١- ( نملية ) خاصة لحفظ الصحون واغراض المطبخ
٢- ( الكوُلا ) موقد يوقد فيه النار ويوضع عليه الطبخ
٣- ( مواعين ) تعني صحون وقدور 
٤- ( طبًشية ) خاصة لحفظ درجة حرارة الخبز


بقلم : متعب الجروح

دمتم بصحة وعافية