|

طفل أحيا بموته أُمة

الكاتب : الحدث 2022-02-11 12:57:39

طفل لم يتجاوز الخمس سنوات سقط في بئر فأرتفعت بسببه همم الجميع وتوحدت في حبه كل القلوب وتظافرت لأجله كل الجهود وبعد مرور خمسة أيام على محنته اختاره الله ليكون إلى جواره واختار الله لنا أن ننسى طوال ذلك الحدث خلافاتنا واختلافاتنا وألا نتذكر إلا إنسانيتنا وفطرتنا التي فطرنا الله عليها والتي غفل عنها الجميع أو تغافلها وتذكرها الجميع حين وجب تذكرها بكل تلقائية وبدون أية ضغوط محلية أو دولية.

ممّا أثبت لنا أن هنالك الكثير من شؤون الحياة التي بامكانها أن توحدنا وأن تجعلنا على قلب رجل واحد فعلى الرغم من مأساوية ما آلت إليه نهاية ذلك الطفل إلا أنها أفاقت الجميع من سباتهم العميق؛ سبات لم يكن يعشعش فيه سوى كوابيس الحياة ومشاكلها كما أن محنة ذلك الطفل أثبتت أن توحدنا ممكن متى ما صحونا من غفلتنا وأدركنا أن ما يجمعنا أكثر بكثير ممّا يفرقنا.

لقد عاش العالم طوال هذه الخمسة أيام أحيان تفاؤل وأحيان ترقب وأحيان تخوف وفي نهايتها أحيان حزن ومرارة اعتقاداً منّا بأن ما وحدنا عليه هذا الطفل ذاب وانتهى وغاب واختفى وهذا ما لا يجب له أن يكون بل على العكس فوفاته يجب أن تعطينا درساً يفيقنا من انشغالنا بتوافه الأمور وتركيزنا على ما يعزز بيننا الشحناء والبغضاء وينسينا أن مآل نهايتنا أهم بكثير من استمرار بقاؤنا وأن الموت أحياناً رغم بؤسه فيه أمور تجعلنا ننتبه لحقيقة الحياة وكيف علينا أن نعيشها ونتعامل معها.

رحمك الله يا ريان فقد علّمتنا حقيقة كدنا ننساها وهي أن الإنسانية التي نشترك فيها جميعاً تُحتّم علينا اعتبارها أهم ما يجمعنا ويؤلف قلوبنا ويوحد مساعينا وأهم ما يجب أن يجعلنا نقفز على أطماعنا الشخصية وتحقيق رغباتنا الفردية والتي لن نحمل معنا منها حين نفارق حياتنا الأولى إلا ما قدّمناه من خير العمل وما صنعناه من جبرٍ وعِبَرْ؛ لقد أحييت فينا يا ريان حب الحياة ولكنك أيضاً نبّهتنا للخشية من الموت إذا أهملنا الاستعداد له.

لقد عشنا طوال هذه المحنة شجون أنستنا آلامنا ومعاناتنا وكُرباتنا وجعلتنا لا نرى ولا نراقب إلا بعين الأمل ولا نعيش إلا بروح التفاؤل ولكن أراد الله لنا في نهايتها أن نعلم بأن الكثير في هذه الحياة لا يستحق الخلاف والاختلاف حوله وأن الكثير من شؤونها لا يستحق حتى النظر إليه ناهيك عن الحصول عليه.

رحمك الله يا ريان وربط على قلبيّ والديك وقلوب كل من حمدوا الله على صحوتهم من غفلتهم بفضل الله ثم بفضلك بعد أن جعلتهم يدركون بأننّا مجرد كائنات فانية مهما طال بنا العمر وأن مطامعنا في هذه الدنيا بائسة ولا تستحق في جوهرها كل ما نمنحه لها من رعاية وعناية … رحمك الله يا ريان … يا ربان سفينة نوح التي لم يغرقها القدر وتفاؤل ابراهيم بنجاة اسماعيل في ذاك الزمن ونجاة يونس من بطن الحوت دون قنوط أو ألم … رحمك الله يا طير الجنة فما قبلك يجب بإذن الله ألا يكون مشابهٌ لما بعدك.

 

احمد بن قروش