|

الإخوان المسلمين .. على السَّفُّود

2019-07-17 05:17:22

في حقبة الكتيب وشريط الكاسيت والمطوية والمجلة ، لا تكاد تجد شيئا منها يحمل اسم أحد من كبار العلماء كـ ( ابن باز والعثيمين واللحيدان والفوزان ) ، ولا شيئ منها يحمل دروسا علمية في العبادات والمعاملات ونحوها ،وإنما هي محاضرات وكتابات عن هموم الأمة ،والخلافة ،والجهاد ،وأخبار المجاهدين وما يزعمون من كرامات شاهدوها ، ومن أهم العناوين التي هندسة الشباب ، وصبغت الإخواني الصغير ،وروضته حتى صار إلى ما صار إليه ؛بل وتعتبر هذه العناوين هي المرتكز والأساس ، وعناوينها ما يعرف بـ ( هادم اللذات ، التوبة الصادقة ، فستذكرون ما أقول لكم ، جلسة على الرصيف ، ففروا إلى الله، البث المباشر: حقائق وأرقام ، صانعو الخيام ، لسنا أغبياء بدرجة كافية، الشريط الإسلامي ما له وما عليه ،سهام في عين العاصفة ) ، وما عداها فهو تبع وداعم لها ومنبثق عنها ، أما ابن باز وابن عثيمين ونحوهما ؛فكلماتهم ودروسهم ومحاضراتهم جافة ، ويشهد الله أن هذا ماكان يقال في تلك الحقبة ،و نسمعه بشكل مستمر ،حتى صار هذا الأمر من المسلمات عند الشباب الحركي ، حتى صارت عيون الشباب مُحَدِّقة ، وأعناقهم مشرئبة فقط ينتظرون ما يقول الداعية فلان ،فلا يَرِدُون إلا عليه ، ولا يَصدُرون إلا عن رأيه وتوجيهه ، ضاربين بكبار العلماء وفتاويهم عرض الحائط .
ولما وقع الفأس في الرأس وحصلت التفجيرات الناتجة عن تكفير عموم الأمة ، فإذا بالمجتمع عامة والشباب على وجه الخصوص مغيبون عن نصوص الكتاب والسنة ،فلا يعرفون دليلا عن حرمة الخروج على الحاكم ، و وجوب السمع والطاعة ،وحرمة الدماء المعصومة ، مع وجود فجوة سحيقة بين العلماء الكبار والشباب ، الذين أشربت قلوبهم حب تنقص العلماء ،فهم عندهم علماء سلطان لا يفقهون الواقع ،و علماء حيض ونفاس ،ولا يهتمون بجراح الأمة ، بل هؤلاء الشباب لا يتورعون عن بسط أيديهم وألسنتهم بالسوء ، وما حادثة الاعتداء على أحد العلماء بجامع الجوهرة بشارع الخزان بالرياض بخاف على أحد .. وهلم جرا .
والمقصود : أن دعوة الإخوان المسلمين في تلك المرحلة ارتكزت على أمرين :
أحدهما : سياسة التغييب ؛ حيث غيبوا الشباب عن ولاة الأمر ،وعن العلماء ،وأحدثوا فجوة سحيقة بين الطرفين ، كما أنهم غيبوهم عن النصوص الشرعية، التي تحث على السمع والطاعة؛ بتخطيها وعدم الاهتمام بها ، وغيبوهم عن الاستدلال الصحيح بالنصوص الصحيحة الصريحة ،وضربوا وجوه النصوص ،ولووا اعناقها بوهم المآل والعاقبة الحميدة التي سينالونها في سبيل دعوتهم وتضحيتهم زعموا .
والأمر الآخر : هو سياسة التلميع والإشهار لرموز الحركة الإخوانية ،حتى أسسوا قاعدة جماهيرية عريضة ،وجعلوا الكثرة هي مقياس التوفيق في الدنيا، والقبول عند الله وهو نتيجة حتمية للإخلاص ، فالقول ما قالوا والرأي ما أفتوا به ؛ لأنهم متحررون من السلطان وسطوته ، مستقلون ينطقون بالحق ولا يخافون لومة لائم ..هكذا زعموا .
وبعد هذا الطرح فلا زلت وإلى اليوم أفتش عن تلك الفئة التي كانت تمارس علينا وبيننا تنفيذ المخطط الإخواني أين اختبئوا ؟ ولماذا وجموا ؟ وهل علموا أن المسارعة للبس الأعقلة لا يغسل حوبتهم ؟ ولا يعفيهم من النطق وتحديد المسار ، فلا ينفع التخفي كالنعام ولا المواربة .
وأقول لازالت ضحايا ذلك الجيل يعانون من انفصام في الشخصية، وتذبذب بين الولاء والطاعة لرموز الجماعة ، والخوف والرهبة من الحكومة من جهة .
وأخيرا هنا نقطة مهمة هي عندي محل نقد ومناقشة حيال من يقول أو حتى يفكر أنا قضينا على الإخوان ونشاطهم الحركي ؛ لأن من قرأ تاريخ الحركة وكتب المنظرين لها ، يفهم غاية الفهم ما يدور حوله .
وإني من هذا المنبر أقول : إنه ينبغي الحذر من الخلايا النائمة التي تقبع خلف أبوابها وصماتها ،فالإخوان عندنا يتمتعون بقدر كاف من التلون والحذر والمراوغة والخداع ، ولا زلنا نعاني منهم على عدة مستويات ، فهم ذو عمل دؤوب للوصول إلى المفاصل المهمة ، وكسب الثقة .
ولا يحيق المكر السيء إلا بأهله
والله من وراء القصد .