|
2019-08-03 05:09:29

قد لا تختلف كثيراً جملة ” كما وصلني” عن جملة ” يقولون ” فهي لا تخرج عن كونها فكرة لاقت رواجاً لتتحولَ فيما بعد لِسلوكٍ جمعي ..
استوقفني ما ذكره المؤرخ الفرنسي غوستاف لو بون في كتابه المميز سيكولوجية الجماهير حينما قال :(أننا لا نستطيع تحريك جمهور إلا عن طريق عاطفته وعاطفته المتطرفة فقط ، أي أن نجذبه إلى أحد التيارين، لذلك فالحيادي الموضوعي لا يمكن أن يكون داخل القطيع أبدًا).
رغم اني لستُ مع ” ثقافة القطيع أو ما يُسمى بسلوك القطيع “كما اسماها عالم الاحياء د.هاملتون وأن صحَ تعبيرها في الوصف , لكني سأوردها -اكثر تهذيباً – ب “ثقافة التبعية ” حينما ينقاد الأغلب لفكرةٍ أو رأيٍ واحد بصرف النظر عن كونها صحيحة أم خطأ , ومن الوارد أن نجد المتبوع اكثرّ وعياً, أو قد نجده سطحيّ و هذا لا يُلغي مدى التأثير على تابعيه , فّسيكولوجية العقل الجمعي تُصبح كقوالب جاهزة لكلّ من لا رأيَّ له , أيّ أن الفرد يُسلم عقله لآراء الجماعة على أنها حقائق أو مسلمات لا تقبل النقاش .
أن ينقاد من اعتنق هذا الفكر – الرأي الواحد – للفئات الضالة أو الجماعات المتطرفة فهذا شأنٌ أخر وأن توافق مع ذات السبب , ولكنّي اتحدثُ عن فئات اصبحنا نراها خلفَ كلِّ ” هاشتاق ” وتحتّ مختلف المنشورات يُؤيد ما يعتقدون و يدافع عن ما يرون و ينجرف طوعاً وراء ما يُظهرون , بلْ ذالكَ ايضاً ما أوصلَ “شقرا ” لقائمة الترند بعد أن تجاوزت الخيول المنافسة .
قد ينشأُ التأثيرُ في أغلب الأحيان بِكلمه من شخصية عامه , لاعب كره أو فنان أو احد المشاهير في شتى برامج التواصل الاجتماعيّ حتى وأن لم تروق للبعض , ولكنها تُصبحُ حقيقةٌ ثابته حينما يُهيمن رأي المؤثر على عقلاً قابلا للتبعية , فنجد من تغييب العقل و استنساخ رؤى المتبوع الذي قد يصل – ووصل – للمساس بالثوابت والتشكيك حتى بكفاءة القادة , و يزدادُ الامر سوءاً حينما تكون ايدي المتبوع ملوثةٌ .
ولنا في رسائل الواتساب خيرُ مثال وبيئةٌ خصبه لتزايد الرأي الواحد , فَكم به من رسائل بنكهة التأليف ودهشة الاكاذيب وانجراف الأغلبية بل والتصديق التام والتداول الاعمى دون تثبت من صحة المنقول , حتى الضعيف والمختلق من الاحاديث النبوية لو نطقت لقالت لمن سيرسلها دعني , و حينما يثبت عكس ما نُقل يأتينا الجواب المعهود “كما وصلني ” ..

إن إعمال العقل فضيله لا تقلُ فضلاً عن سائر العبادات , فالتفكير عبادة عقليه ميزنا الله بها عن سائر المخلوقات , فكر تؤجر .
فلا يكن حظك عزيزي المتلقي من كلّ ما يصلك , كحظ الببغاء في ” الترديد ” , ليس إلا ..